قول القلب

المحل الأول: قول القلب، وهو تصديقه، وهذا هو أشرف مواضع الإيمان، ولهذا وإن كان السلف يقولون: إن الإيمان قولٌ وعمل، إلا أنهم كما قال شيخ الإسلام رحمه الله: "وعامة السلف مع هذا القول يذهبون إلا أن أصل الإيمان مبناه على تصديق القلب" ولهذا إذا تعذر التصديق سقط الإيمان كله، بخلاف العمل فإنه قد يدخله التفصيل، فإن التصديق يقابله التكذيب، والأمر يقابله المخالفة، ولهذا كان الوعيد الشديد في قوله تعالى: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [النور:63] حتى قال الإمام أحمد: "أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك".

وهذا الوعيد ليس في حق من خالف من عصاة المسلمين، أي: من وقع في معصية، وهو على إقرارٍ بكونها معصيةً واستقامةٍ في جملة أمره على الإسلام وأحكامه، ولا يقال: إنه داخل في الآية؛ لأنه قد خالف بترك واجب أو فعل معصية، لأن المراد بالآية -على الصحيح- الإعراض عن شيءٍ من أمر الله وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم.

وسبب تفسير المخالفة بالإعراض هو أن الفعل (خالف) يتعدى بنفسه من حيث الأصل؛ فتقول: خالف زيدٌ عمراً، لكنه في الآية عُدِّي بالحرف فأعطي حكم الفعل اللازم؛ وذلك لأنه ضُمن معنى فعل آخر، وأقرب ما يقاربه الإعراض، وهذا هو المناسب لسياق الآيات في هذه السورة.

والمقصود من هذا: أن القول قول القلب هو أشرف مقامات الإيمان، ولهذا لما سمى النبي صلى الله عليه وسلم الإيمان قال: (الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته ...) إلخ، فجعل مبناهُ على التصديق.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015