الألفاظ المنقولة عن السلف كثيرة، أشهرها وأكثرها شيوعاً في كلام الأئمة: أن الإيمان قولٌ وعمل، وإن لم يكن هذا هو الشائع عند المتأخرين؛ فإن الشائع في المختصرات عند المتأخرين هو كلام الشافعي: "إن الإيمان قولٌ وعملٌ واعتقاد" وهو مقارب لكلام المصنف.
وقد نقل عن طائفةٍ كـ البخاري في صحيحه في إحدى الروايتين -فإن لفظ البخاري روي بوجهين-: "وقال أبو عبد الله: الإيمان قولٌ وعمل".
والرواية المشهورة في صحيح البخاري أن البخاري قال: "وهو قولٌ وفعل" وهذا حرفٌ صحيح، وقد بحث الشراح عن وجه الفرق بين الفعل والعمل
إلخ، وهذا كله تكلف، حيث إنه لا فرق عند البخاري بين قوله: الإيمان قولٌ وعمل، أو الإيمان قولٌ وفعل، وقد يكون أراد مراداً من التحقيق ..
وهذا أمر آخر.
وقال سهل بن عبد الله التستري -وبعض شيوخ العُباد من السلف- لما سئل عن الإيمان ما هو؟ فقال: "الإيمان قولٌ وعملٌ ونية وسنة".
وهؤلاء يعللون قولهم بأن العمل والقول والنية إذا خرج عن السنة صار بدعة.
لكن هل هذا القيد قيد لازم أو قيدٌ بياني؟
هو قيد بياني؛ لأن من المقطوع به أن من قال: الإيمان قولٌ إنما يقصد الأقوال الشرعية وليس البدعية والعادية.
والقيود البيانية من جنس الاصطلاح، لا مشاحة فيها.
وإذا قيل: هل الفاضل ذكرها أو تركها؟
قيل: الأمر متعلقٌ بمصلحة ذكرها، فإن كان ذكرها يقتضي مصلحة كفهم المخاطبين كان ذكرها حسناً، وإن كان ذكرها يقتضي قدراً من الاختلاف وإشاعة الخلاف
وما إلى ذلك فإن ذكرها لا يكون مصلحةً؛ ولهذا العامة والجمهور من السلف لم يزيدوا على قولهم: الإيمان قولٌ وعمل، وقال الشافعي: "قولٌ وعملٌ واعتقاد".
وقال المصنف قوله السابق.
وهذه كلها أقوالٌ صحيحة، فمن قال منهم: قولٌ وعمل واعتقاد ..
فقوله واضحٌ، وهو أبين من جهة ذكره للمواضع الثلاثة: أن الإيمان يكون بالقلب، ويكون باللسان، ويكون بعمل الجوارح.