قال أبو عبيد: [ذكر الأصناف الخمسة الذين تركنا صفاتهم في صدر كتابنا هذا].
عني المصنف فيما تقدم بذكر من عندهم قدر من الفضيلة من مرجئة الفقهاء وما عندهم من الاستدلال، ثم ذكر الأقوال المغلظة من أقوال المرجئة وأقوال الوعيدية على خمسة أقوال.
[من تكلم به في الإيمان هم الجهمية].
أتباع الجهم بن صفوان، وهو رجلٌ من أئمة الضلال والشر والبدع في الإسلام، وقد أجمع السلف على ذمه، وذهبت طائفة إلى تكفيره، وهو يقول: إن الإيمان هو المعرفة.
وتنسب الجهمية إليه في باب الصفات.
[والمعتزلة].
أتباع واصل بن عطاء الغزال، وعمرو بن عبيد، وهذان كانا على عناية بمسألة الكبائر وأفعال العباد، ثم جاء منظروهم وشرحوا مسألة الصفات والإلهيات، وإن كان أصلها عند هذين، لكن منظّر مسألة الإلهيات والصفات عند المعتزلة هو أبو الهذيل العلاف، ومن بعده إبراهيم بن سيار النظام، ثم انقسمت المعتزلة إلى طوائف.
[والإباضية].
أتباع عبد الله بن إباض المري المقاعسي، وهذه الفرقة هي التي بقيت من فرق الخوارج، وهم في الجملة أخف فرق الخوارج، وإن كانوا يقولون بأن صاحب الكبيرة مخلد في النار، لكنه في الدنيا يسمى كافراً كفر نعمة.
ومما ينبه إليه من شأن الإباضية: أنهم دخلت عليهم بدع المعتزلة.
فهم إحدى طائفتين نقلنا كلام المعتزلة في القدر والصفات.
والأخرى هي الشيعة الإمامية.
فقد نقل الإمامية مذهب المعتزلة في الصفات وفي القدر ودخل عليهم؛ لأن مسألة القدر والصفات مسألة عقلية نظرية، إما أن تؤخذ بالآثار كما هو طريق السلف، أو تؤخذ بالعقل والنظر، والشيعة ليسوا من أهل الآثار ولا من أهل العقل، ولهذا اقتبسوا هذا من المعتزلة.
أما قصة هذا الاقتباس -مع أن أحد أئمة الشيعة وهو هشام بن الحكم كان مشبهاً على خلاف طريقة المعتزلة- فهي أن بدعة المعتزلة بدأت بصرية، ثم ظهر نوع من المعتزلة في بغداد، ثم إن هؤلاء البغداديين تشيعوا وانتصروا لفضيلة علي بن أبي طالب، حتى فضله من فضله من المعتزلة على أبي بكر وعمر، فقاربتهم الشيعة لشأن الانتصار لـ علي بن أبي طالب في القتال، وأنه أفضل من غيره، ثم حصل اندماج بين المعتزلة وبين الشيعة، وخاصةً المعتزلة البغدادية، فأخذت الشيعة عنهم مسألة القدر بتفاصيلها.
وبهذا يعلم أنه إذا ذكر بعض أئمة الشيعة النظار باب القدر والصفات ودخلوا في العقليات وعلم الكلام والمنطق وما إلى ذلك أنه ليس لهم فيه كبير علم، بل هذا كله نقل من أئمة المعتزلة وتلخيص من كتبهم.
ومثلهم الإباضية، فقد أصبحوا في الجملة يقولون بقول المعتزلة في الصفات.
قال: [والصفرية والفضلية].
وهاتان الطائفتان من الخوارج، ولا قيمة لهما؛ فقد هلكتا في الدهر.