بهذا التفصيل يظهر أن الأحاديث التي فيها تسمية بعض الأقوال أو الأفعال كفراً أو نفاقاً فيها مسلكان -كلاهما فيه نظر- لبعض أصحاب السنة المتأخرين:
المسلك الأول: هو طرد التسمية على باب القياس، وهذا المسلك ليس بصحيح.
المسلك الثاني: هو التزام أن ما سميّ من الأعمال كفراً أو نفاقاً يكون في الشدة والتحريم والتغليظ أعظم مما لم يسم كذلك.
وهذا -أيضاً- خطأ، وهو فرعٌ عن الخطأ الأول؛ لأن هؤلاء اعتبروا أن تسمية الشارع عملاً ما كفراً إنما هي لاعتبار القدر فقط، لكن إذا عُلم أن الشارع إنما سمى هذا لاعتبار القدر والمناسبة ظهر أنه لا يلزم أن ما لم يسم كذلك يكون بالضرورة أخف.
مثلاً: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما عبدٍ أبق من مواليه فقد كفر حتى يرجع إليهم) لكنه لم يسم من قتل نفسه منافقاً أو كافراً -وإن كان سمى قتل الآخرين من المسلمين، فقال: (لا ترجعوا بعدي كفاراً) - مع أن قتل المؤمن أو المسلم لنفسه -بلا شك- أعظم من إباق العبد أو من الكذب الذي سمي نفاقاً، ومثل هذا أكل الربا
وما شابهه.
والمقصود: أن هذا الالتزام ليس بصحيح، فهذه أسماء، والأسماء معتبرة بمقاماتها في كلام الله ورسوله، والوعيد يقدر قدره بحسب تغليظ الشارع عليه في الدنيا والآخرة.