قال المؤلف رحمه الله: [وأما الذين رأوا الإيمان قولاً ولا عمل فإنهم ذهبوا في هذه الآيات إلى أربعة أوجه: أحدها: أن قالوا: أصل الإيمان الإقرار بجمل الفرائض، مثل الصلاة والزكاة وغيرها، والزيادة بعد هذه الجمل: هو أن تؤمنوا بأن هذه الصلاة المفروضة هي خمس، وأن الظهر هي أربع ركعات والمغرب ثلاث، وعلى هذا رأوا سائر الفرائض.
والوجه الثاني: أن قالوا: أصل الإيمان: الإقرار بما جاء من عند الله، والزيادة تمكن من ذلك الإقرار.
والوجه الثالث: أن قالوا: الزيادة في الإيمان: الازدياد من اليقين والوجه الرابع: أن قالوا: إن الإيمان لا يزداد أبداً، ولكن الناس يزدادون منه].
ذكر المؤلف رحمه الله في هذا مذهب المرجئة وتأويلهم لهذه النصوص التي فيها التصريح بزيادة الإيمان، فقال: وأما الذين رأوا الإيمان قولاً ولا عمل -وهم المرجئة- فقد قالوا: إن الإيمان هو قول القلب، وهو التصديق والإقرار.
وقولهم: (ولا عمل) يعني: ولا يدخل العمل في مسماه.
فقالوا: إن الإيمان هو قول القلب وتصديقه وإقراره بدون عمل، وذهبوا بهذه الآيات إلى أربعة أوجه، أي: تأولوا هذه الآيات الخمس الصريحة في أن الإيمان يزيد على أربعة تأويلات: التأويل الأول: قالوا: أصل الإيمان الإقرار بجمل الفرائض، مثل الصلاة والزكاة وغيرها فقالوا: أصل الإيمان هو: أن يقر المسلم بجمل هذه الفرائض، أي: يؤمن بها إيماناً مجملاً، فيؤمن بأن الله فرض الصلاة، وفرض الزكاة وفرض الصوم وفرض الحج، ثم بعد ذلك جاءت نصوص أخرى تفصل هذه النصوص المجملة، ففصلت الصلاة، بأنها خمس صلوات مفروضة في اليوم والليلة، وبأن صلاة الظهر أربع ركعات، وصلاة العصر أربع ركعات، وصلاة المغرب ثلاث ركعات، إلى آخره.
وكذلك أيضاً الزكاة جاءت النصوص بتفصيلها وبيان أنصبتها، واشتراط الحول للأموال، وما يشترط له الحول، وهكذا الصوم جاء تفصيله بأنه صوم شهر رمضان، وبأنه من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وهكذا الحج جاء تفصيله بأنه لا يجب في العمر إلا مرة.
فتأولوا الزيادة في الإيمان على أن المراد بها تفصيل النصوص المجملة فقالوا: النصوص المجملة جاءت بوجوب الصوم والصلاة والزكاة والحج، فآمن بها المسلمون، ثم جاء تفصيلها بعد ذلك، فالتفصيل هو الزيادة، فتأولوا الزيادة على أنها هذا التفصيل.
التأويل الثاني: قالوا: إن أصل الإيمان هو: الإقرار بما جاء من عند الله والتصديق، وأما الزيادة في قوله تعالى: (ليزدادوا إيماناً) فتأولوها على أنها التمكن من ذلك الإقرار, فقالوا: معنى قوله تعالى: (ليزدادوا إيماناً) ليتمكنوا من الإقرار، ويثبت في قلوبهم ويرسخ فعلى هذا يكون الإيمان: التصديق والإقرار.
وقوله: ((لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا)) يعني: ليتقوى الإيمان، ويرسخ ويثبت في قلوبهم.
التأويل الثالث: تأولوا الزيادة على أنها: الزيادة من اليقين فقوله تعالى: {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا} [المدثر:31] يعني: يزدادون يقيناً، فالإيمان واحد والزيادة هنا المراد بها: الازدياد من اليقين، وإلا فالإيمان موجود واليقين حاصل.
التأويل الرابع: أن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، ولكن الناس هم الذين يزدادون منه.
فهذه تأويلاتهم للنصوص، وسيتعقبها المؤلف رحمه الله ببيان بطلانها.