[قال أبو عبيد: كذلك حدثنا حجاج عن ابن جريج، فلو كان الإيمان كاملاً بالإقرار ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة في أول النبوة كما يقول هؤلاء ما كان للكمال معنى، وكيف يكمل شيئاً قد استوعبه وأتى على آخره؟!].
يقول المؤلف رحمه الله لو كان الإيمان كاملاً بالإقرار كما تقوله المرجئة؛ لأنهم يقولون: الإيمان يكمل بمجرد الإقرار الذي هو التصديق بالقلب، لو كان كذلك ما كان للكمال معنى في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3]، فلو كان الإيمان كاملاً حينما كان الناس في مكة فكيف يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] وقد كمل في مكة؟ وكيف يكمل شيء قد استوعب وأتي على آخره؟! فالله تعالى يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] فمتى قال هذا؟ ومتى أنزلت الآية؟ لقد كان ذلك في نهاية العام في حجة الوداع بعد أن كمل الدين، وبعد أن نزلت الشرائع وفرضت الفرائض وحدت الحدود.
والمرجئة يقولون: إن الإيمان كان كاملاً في القلب حين كان المؤمنون المستضعفون في مكة قبل أن تفرض الصلاة، والزكاة، والصوم، والحج! وهو هنا يرد عليهم ويقول: لو كان الإيمان كاملاً بالإقرار والتصديق فقط ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة في أول النبوة لما كان للكمال معنى في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة:3] فكيف يكمل شيء قد استوعب وأتي على آخره؟! فدل ذلك على بطلان هذا القول.