قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمصدق لهذا جهاد أبي بكر الصديق رحمة الله عليه بالمهاجرين والأنصار على منع العرب الزكاة كجهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الشرك سواء، لا فرق بينهما في سفك الدماء وسبي الذرية واغتنام المال، فإنما كانوا مانعين لها غير جاحدين بها].
يقول المؤلف رحمه الله: الدليل على أن من لم يقبل فرضية الزكاة ينتقض إيمانه قتال الصديق والصحابة رضوان الله عليهم لمانعي الزكاة من أهل الردة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ارتد كثير من قبائل العرب، وهم على أنواع: فمنهم من أنكر نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، وقال: لو كان نبياً ما مات، ومنهم من أقر بنبوة مسيلمة -وهم بنو حنيفة- فقال: إنه شريك للنبي صلى الله عليه وسلم، ومنهم من عبد الأصنام والأوثان، ومنهم من امتنع عن أداء الزكاة فقال: لا نؤديها إلا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقاتلهم الصديق والصحابة رضوان الله عليهم، وسموهم كلهم مرتدين ولم يفرقوا بينهم، فالمؤلف رحمه الله يقول: (المصدق -يعني الدليل- على ما ذكرته لك من أن من امتنع من الزكاة ينتقض إيمانه بفرضية الصلاة وتوحيده: جهاد أبي بكر الصديق رحمة الله عليه بالمهاجرين والأنصار على منع العرب الزكاة، فجاهدوهم وقاتلوا من منع الزكاة كما قاتلوا أهل الشرك وعباد الأوثان.
فالمؤلف يرى أن من امتنع عن الزكاة فإنه يقاتل كما يقاتل أهل الشرك، ولهذا يقول: إن الصديق والصحابة قاتلوا مانعي الزكاة كما قاتلوا أهل الشرك، ولا فرق بينهم في سفك الدماء وسبي الذرية واغتنام المال، واعتبروهم مرتدين، فالذي عبد الأصنام، والذي أنكر نبوة النبي صلى الله عليه وسلم، والذي أقر بنبوة مسيلمة، والذي منع الزكاة كلهم قاتلهم الصحابة واعتبروهم مشركين، وسبوا ذراريهم، وغنموا أموالهم.
وقوله: [فإنما كانوا مانعين لها غير جاحدين بها] يعني: الذين منعوا الزكاة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إنما كانوا ممتنعين عن أدائها غير جاحدين بها، هذا ما ذهب إليه المؤلف، والصواب في المسألة: أن الذين منعوا الزكاة بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم منعوها وقاتلوا على منعها، ولما منعوها وقاتلوا على منعها صار قتالهم عليها في حكم الجاحد لها، بل هو دليل على جحودهم لها، فصاروا من أهل الردة، أما لو منعوها ولم يقاتلوا عليها فإنها تؤخذ منهم بالقوة ويؤدبون، فالصواب في هذه المسألة: أن مانع الزكاة فيه تفصيل: فإن كان جاحداً للزكاة فهو كافر مرتد؛ لأنه أنكر معلوماً من الدين بالضرورة.
وإن منعها دون قتال عليها فهذا تؤخذ منه ويؤدب، فإن منعها وقاتل عليها صار مرتداً؛ لأن قتاله عليها يدل على جحوده لها، وهذه حال أهل الردة، فأهل الردة منعوا الزكاة وقاتلوا عليها، ولو أنهم منعوها ولم يقاتلوا عليها لأخذها منهم الصحابة وأدبوهم ولم يقاتلوهم، لكن لما منعوها وقاتلوا عليها صار قتالهم دليلاً على جحودهم، وهذا هو الصواب في هذه المسألة.
وظاهر كلام المؤلف: أنهم كانوا مانعين لها غير جاحدين، لكن الصواب: أنهم لما قاتلوا عليها صاروا جاحدين لها، وأما من كان مقراً بوجوبها لكن منعها بخلاً وتهاوناً فإنها تؤخذ منه ويعزر ويؤدب، ولا يقتل على الصحيح من أقوال أهل العلم، بخلاف الصلاة، فإن الصواب في تركها: أنه كفر وردة؛ لما ورد في فرضية الصلاة من النصوص التي لم ترد في غيرها، فقد ثبت في صحيح البخاري من حديث بريدة بن الحصيب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله) والذي يحبط العمل هو: الكفر، وقال عليه الصلاة والسلام: (بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة) فأتى بالكفر معرفاً.
وفي الحديث في النهي عن الخروج على الأمراء والولاة (قيل: يا رسول الله! أفلا ننابذهم بالسيف؟! قال: لا ما أقاموا فيكم الصلاة) فدل على أنهم إذا لم يقيموا الصلاة فهم كفار ينابذون بالسيف.
والصلاة قد ورد في شأنها من النصوص ما لم يرد في غيرها، فالصواب: أن ترك الصلاة -ولو أقر تاركها بوجوبها- كسلاً وتهاوناً كفر وردة، بخلاف الزكاة فإنه لا يكفر إلا إذا جحدها أو قاتل على منعها.