الإيمان في مكة اقتصر على الشهادتين فقط

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فأقام النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد النبوة عشر سنين أو بضع عشرة سنة يدعو إلى هذه الشهادة خاصة، وليس الإيمان المفترض على العباد يومئذ سواها، فمن أجاب إليها كان مؤمناً، لا يلزمه اسم في الدين غيره، وليس يجب عليهم زكاة، ولا صيام، ولا غير ذلك من شرائع الدين].

هذا في مكة أول الأمر.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [وإنما كان هذا التخفيف عن الناس يومئذ فيما يرويه العلماء رحمة من الله لعباده، ورفقاً بهم؛ لأنهم كانوا حديث عهد بجاهلية وجفائها، ولو حملهم الفرائض كلها معاً نفرت منه قلوبهم، وثقلت على أبدانهم].

ولأنها لا تصح إلا بعد استقرار التوحيد والثبات في القلب؛ لأن هذه الصلاة والزكاة والصوم والحج لا تصح ولا تقبل ولا تكون نافعة عند الله إلا بعد التوحيد، ولهذا بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بالتوحيد، وكل نبي يدعو قومه إلى التوحيد.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فجعل ذلك الإقرار بالألسن وحدها هو الإيمان المفترض على الناس يومئذ، فكانوا على ذلك إقامتهم بمكة كلها وبضعة عشر شهراً بالمدينة وبعد الهجرة].

قال المصنف رحمه الله تعالى: [فلما أثاب الناس إلى الإسلام وحسنت فيه رغبتهم، زادهم الله في إيمانهم أن صرف الصلاة إلى الكعبة، بعد أن كانت إلى بيت المقدس، فقال: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} [البقرة:144].

ثم خاطبهم وهم بالمدينة باسم الإيمان المتقدم لهم في كل ما أمرهم به، أو نهاهم عنه، فقال في الأمر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج:77]، و {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ} [المائدة:6]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران:130]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95]].

أثاب: يعني اجتمع أي: لما اجتمع الناس على الإسلام في المدينة واستقر التوحيد وثبت في القلوب، وحسنت رغبتهم فيه؛ شرع الله الشرائع، فحددت الأوقات والصلوات، وشرع الأذان، وشرعت الجماعة، وفرضت الزكاة، وفرض الصوم، وفرض الحج، وشرعت الحدود.

والمعنى: أنه لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة إلى المدينة، شرعت الشرائع، فناداهم الله باسم الإيمان، أمراً ونهياً، وطلب منهم سبحانه وتعالى امتثال الأوامر واجتناب النواهي؛ لأنهم موحدون فقال في الأمر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج:77]، فقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [الحج:77] يعني: وحدوا الله، وعندما ثبت التوحيد أوجب الله عليهم الصلاة {ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج:77] , وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة:6]، فأمرهم بالوضوء، وفي النهي نهاهم عن الربا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران:130]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة:95]، فشرعت الشرائع، وفرضت الواجبات، وحرمت المحرمات، فامتثلوا أمر الله واجتنبوا نهيه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015