حديث أن النبي عليه الصلاة والسلام سحره يهودي

قال الشارح: [وعن عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم سحر حتى إنه ليخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله، وأنه قال لها ذات يوم: أتاني ملكان فجلس أحدهما عند رأسي، والآخر عند رجلي فقال: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب، قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم، في مشط ومشاطة، في جف طلعة ذكر في بئر ذروان) رواه البخاري].

هذا الحديث رواه البخاري في خمسة مواضع من صحيحه، ورواه مسلم في السحر، ومعروف أن مسلماً رحمه الله لم يبوب الأحاديث التي ذكرها في كتابه على التراجم، وإنما يسند الأحاديث مرتبة بدون تراجم، والتراجم التي في صحيح مسلم الآن وضعها الشراح مثل النووي والقاضي عياض والقرطبي، وليس القرطبي صاحب التفسير، فهؤلاء هم الذين وضعوا هذه التراجم، فرواه في كتاب السحر في آخر الصحيح.

ومسلم رحمه الله ما كان يكرر الحديث، وإنما كان يذكر الأحاديث التي موضوعها واحد في مكان واحد، بخلاف البخاري فإنه يهتم بالتراجم أكثر من اهتمامه بمتون الحديث، ولهذا يقول العلماء: فقه البخاري في تراجمه، وقد جعل التراجم أكثر من الأحاديث؛ لأن تراجمه بلغت أربعة آلاف وثمانمائة وبضعة عشر، وأحاديثه بدون التكرار ألفان ومائتان وثلاثة عشر فقط، هذا هو المحرر الصحيح، والتراجم صارت مضاعفة؛ لأنه يكرر الحديث ويضع عليه عدة تراجم، ويكفي الإنسان أن يعرف أنه لما ذكر حديث جابر: في بيع الجمل عليه، لما غزا على جمل ضعيف، وفي رجوع الرسول صلى الله عليه وسلم من الغزوة صار الجمل يتأخر ولا يلحق الجيش، والرسول صلى الله عليه وسلم كان يتفقد أصحابه، فوجد جابراً قد أنخذل عن أصحابه وتأخر، فسأله فقال: الجمل لا يسير، فزجره الرسول صلى الله عليه وسلم وضربه، فصار يسير سيراً حثيثاً حتى قال: كنت أقهقره لئلا يتقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، ثم قال له صلى الله عليه وسلم وهو يحادثه ويؤانسه كما هي عادته صلى الله عليه وسلم: (هل تزوجت يا جابر؟! فقلت: نعم يا رسول الله! فقال: بكراً؟ فقلت: لا، ثيباً، فقال: ألا بكراً تلاعبها وتلاعبك؟ قلت: يا رسول الله! إن أبي توفي وترك سبع بنات، فكرهت أن آتي ببنت جاهلة مثلهن، وأردت أن آتي بامرأة عاقلة تصلحهن، فقال: أحسنت، ثم قال لي: أتبيع الجمل؟ فقلت: نعم، فاشتراه صلى الله عليه وسلم وجعله معه، فلما وصل إلى المدينة وحط رحله جاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: هذا الجمل، فوفاه وزاده -أعطاه القيمة وزاده- ثم قال له: اذهب بجملك).

هذا الحديث ذكره البخاري في ستة وثلاثين موضعاً وجعل عليه ستاً وثلاثين ترجمة، فهذا هو الفقه الذي يفيد وينفع، ويتأمله الإنسان، وهذا الكتاب لا يستغني عنه طالب العلم، ويجب أن يعتني به، ويردده ويكرره، ويتفهم التراجم مع مطابقة الأحاديث التي ذكرها البخاري، فإنه بذلك يخرج وقد علم شيئاً كثيراً بإذن الله.

وهناك شيء آخر يجب أن يتنبه له أيضاً فعله البخاري عمداً، وهو أنه إذا وضع ترجمة لا يأتي بالحديث الذي يدل على مضمونها دلالةً ظاهرة، وإنما يأتي بشيء فيه خفاء؛ ولهذا كثير من العلماء الشراح يعسر عليهم فهم مطابقة الحديث للترجمة؛ والسبب في هذا أنه يريد أن يدرب الطالب على الفهم والفقه، وعلى الاستنتاج، فهو في الواقع كتاب تعليم وتدريب وتفقيه، فهو كتاب عظيم جداً، مع أنه انتقى الأحاديث المهمة التي لا يستغني عنها طالب العلم، وهذا شيء عارض، والمقصود أن الرسول صلى الله عليه وسلم سحر.

ثم كذلك هذا الحديث رواه الإمام أحمد في المسند في عدة مواضع، وروي عن ثلاثة من الصحابة: عائشة وأنس وزيد بن أرقم، وهناك روايات أخرى غير هذه، والحديث ثابت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015