معنى الوصية التي تضمنتها الآيات الثلاث التي في سورة الأنعام

قال الشارح رحمه الله: [وهذا الأثر رواه الترمذي وحسنه، وابن المنذر وابن أبى حاتم والطبراني بنحوه.

وقال بعضهم: معناه: من أراد أن ينظر إلى الوصية التي كأنها كتبت وختم عليها، فلم تغير ولم تبدل فليقرأ: {قُلْ تَعَالَوْا} [الأنعام:151] إلى آخر الآيات، شبهها بالكتاب الذي كتب ثم ختم فلم يُزد فيه ولم يُنقص، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص إلا بكتاب الله، كما قال -فيما رواه مسلم -: (وإني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا: كتاب الله)، وقد روى عبادة بن الصامت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أيكم يبايعني على هؤلاء الآيات الثلاث؟ ثم تلا قوله تعالى: ((قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ)) [الأنعام:151]، حتى فرغ من الثلاث الآيات، ثم قال: من وفى بهن فأجره على الله، ومن انتقص منهن شيئاً فأدركه الله به في الدنيا كانت عقوبته، ومن أخره إلى الآخرة كان أمره إلى الله إن شاء آخذه وإن شاء عفا عنه) رواه ابن أبي حاتم والحاكم وصححه، ومحمد بن نصر في (الاعتصام)].

وهذا أيضاً كان يتكرر من النبي صلى الله عليه وسلم، وقد جاء أيضا عن عبادة بن الصامت أنه أمرهم أن يبايعوه على الآيات التي في آخر سورة الممتحنة، وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلا يَسْرِقْنَ} [الممتحنة:12] إلى آخر الآية، وأنهم بايعوه عليهن، وهذا الحديث مثله.

والرسول صلى الله عليه وسلم كان يوصي بالآيات الجوامع التي فيها الأمر بعبادة الله والنهي عن عبادة غيره، وكذلك الالتزام بما جاء به وعدم الإخلال به، فكان يوصي بهذا ويَعِدُ الإنسان عليه بالجنة إذا وفى.

كما أنه لما قال له معاذ: (يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة، قال: لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله -ثم قال:- تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلاً)، فذكر له هذه الأمور الخمسة فقط، وهذه هي التي يدخل بها الإنسان الجنة، وليس للجنة ثمن غيرها، ولكن الإنسان قد لا يدري هل جاء بها على الوجه المطلوب أو أنه أخل بها؟ ولا أحد يجزم جزماً بأنه جاء بها على الوجه الذي أراده الله، بل لابد أنه قصر فيها: في فعلها أو في صفاتها أو في غير ذلك.

ولهذا من تيقن أن الله قبل منه عملاً فهو من السعداء، كما قال عبد الله بن عمر: (لو أعلم أن الله قبل مني حسنة لتمنيت الموت (؛ لأن الله جل وعلا أخبر أنه إنما يقبل من المتقين، كما قال سبحانه: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} [المائدة:27].

قال الشارح: [قلت: ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص أمته إلا بما وصاهم الله تعالى به على لسانه، وفى كتابه الذي أنزله: {تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل:89]، وهذه الآيات وصية الله تعالى ووصية رسوله صلى الله عليه وسلم].

يعني أنه في آخر كل آية يقول: {ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ} [الأنعام:151] فالوصية هي: الأمر المؤكد بأن يؤخذ به ولا يخل به.

فهذه وصية الله، والرسول صلى الله عليه وسلم وصى بما وصى به ربه جل وعلا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015