الوجه الثالث: علو الذات: كونه العالي على كل شيء، العالي فوق خلقه كلهم، وليس فوقه شيء تعالى وتقدس، وأرفع المخلوقات وأعلاها هو عرش الرحمن، وهو أوسعها وأكبرها وأعظمها، وذلك أن السماوات ومنها السماء الدنيا أكبر من الأرض آلاف المرات بل ليس هناك نسبة؛ لأن السماء تحيط بالأرض من جميع الجهات، والأرض كالبيضة في قلب السماء الدنيا، والجهات جهتان: جهة العلو والسفل فقط، أما الجهات الأخرى فلا حقيقة لها، والسماء الثانية أوسع وأكبر وأعظم من السماء الدنيا بشيء كبير جداً، والسماء الثالثة أوسع وأعظم وأكبر من السماء الثانية، وكذلك الرابعة والخامسة والسادسة والسابعة، فأعظم السماوات وأوسعها وأكبرها السماء السابعة، وفيها الجنة التي أخبر الله جلَّ وعلا أن عرضها عرض السماوات والأرض، والعرش فوق السماوات كلها، وهو أعظم منها كلها، وقد جاء في الآثار أن الكرسي أوسع من السماوات والأرض، بل قال الله جلَّ وعلا: {وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ} [البقرة:255] والكرسي كما في الآثار: السماوات السبع بالنسبة إليه كدراهم سبعة ألقيت في أرض فلاة، هذا بالنسبة للكرسي، أما العرش فنسبة الكرسي إلى العرش كحلقة ألقيت في أرض فلاة، فالعرش هو أعظم المخلوقات وأكبرها وأوسعها، ولهذا يقول الله جلَّ وعلا: {رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ} [التوبة:129] {رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون:116] والكريم هو: الواسع الحسن، والشيء العظيم إذا عظَّمه الله فهو عظيم جداً، وليس فوق العرش شيء من المخلوقات، وإنما فوقه رب العالمين تعالى وتقدس، وهو أكبر من كل شيء، وأعظم من كل شيء، ولهذا يقول لنا ويخبرنا عن شيء من عظمته حتى نعلم ذلك ونقدره حق قدره: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعَاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ} [الزمر:67] وعلى هذه السعة والكِبَر والعِظَم يطويها بيده، وتكون بيده كالخردلة في يد الإنسان، ولله المثل الأعلى.
فإن كان هذا شيء من عظمته فكيف يجوز للإنسان أن يعبد معه غيره؟! وكيف يجوز للإنسان أن يصفه بما يتصف به المخلوق الحقير الذليل الذي لا يملك مع الله شيئاً؟! وإذا شاء عذَّبه ولا يُسأل ربك عما يفعل، تعالى الله وتقدس.