الإنسان قد يمرق من الدين في هذه الأزمان بسبب الغلو، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن ناساً يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، وقصد بذلك الخوارج كما بينت الأحاديث.
يقول ابن تيمية: إنه يجوز أن يكون في وقتنا -ووقته في القرن السابع- من يمرق من الدين كما يمرق السهم من الرمية، ثم بين ما كان في وقته من المروق من الدين وهو الغلو في المشايخ، يعني: في المقبورين، والغلو: هو تجاوز الحد؛ بأن يمدحهم أو يحبهم أكثر مما شرعه الله جل وعلا وأمر به، هذا هو الغلو.
ثم بين أن الغلو في هذا كثير، ولكنه يتفاوت، فهو عند بعضهم يكون في علي بن أبي طالب، فجعلوا له نوعاً من الإلهية، وهذا وقع في زمن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه، فـ عبد الله بن سبأ اليهودي الماكر الخبيث -الذي دخل الإسلام وتستر به حتى يتمكن من دس دسائسه على ضعاف العقول والأبصار وضعاف الإرادات من المسلمين، وتمكن من ذلك- كان يقول لأتباعه: إن علياً فيه جزء من الإلهية، وانطلى هذا القول على كثير من الناس، واعتقدوا هذا في حياة علي رضي الله عنه، حتى إنهم قابلوه، وقالوا له: أنت هو، وقال: ويلكم من أنا؟! قالوا: أنت إلهنا، يقولون له مقابلة، فقال: ويلكم ويلكم هذا الكفر! إن لم ترجعوا قتلتكم، وأمهلهم ثلاثة أيام فلم يرجعوا، فأمر بحفر تحفر، وأمر بالحطب أن يلقى فيها، فأضرمها ناراً، فأخذ من أمسك منهم وألقاهم في النار أحياء، حرقهم وهم أحياء، وذلك الماكر الخبيث فر منه، وقال: هذا دليل على أنه هو الإله؛ لأن النار لا يحرق بها إلا الله، فزاد البلاء بلاء، ولم يزل باق هذا الغلو في أتباع ابن سبأ إلى اليوم، فهم يعبدونه ويؤلهونه، وبعضهم يعتقد أنه نبي، وبعضهم يزيد ويعتقد أنه إله، ولما مات قالوا: ما مات، وإنما هو في السحاب وسوف يعود، وزعموا أن الرعد صوته، واعتقدوا الرجعة، أي: أنه يرجع إلى الدنيا فيقتل من زعم أنه مات.
يقول شيخ الإسلام: (بل الغلو في المسيح عليه السلام)؛ لأنهم جعلوا عيسى هو الله، ومنهم من قال: إنه ثالث ثلاثة، ومنهم من قال: هو ابن الله، كما ذكر الله جل وعلا ذلك في القرآن.
وهؤلاء الذين قالوا هذا القول، هم من بني آدم: لهم عقول، ولهم أبصار، ولهم أسماع، ومع ذلك اعتقدوا أن مخلوقاً مثلهم هو الذي يدبر، وهو الذي يملك الجنة والنار، ويملك ما في القلوب! فعلى الإنسان أن يخاف على نفسه أن يخرج من الدين الإسلامي بأدنى سبب؛ لأن الله جل وعلا إذا أزاغ قلب الإنسان فإنه لا يملكه، وربما يزين للإنسان سوء عمله فيراه حسناً، فيصبح لا فائدة فيه، ولا حيلة فيه إلا أن يهديه الله.