قال الشارح: [قوله صلى الله عليه وسلم: (ولعن الله من غير منار الأرض) بفتح الميم: علامات حدودها، قال أبو السعادات في النهاية -في مادة تَخَمَ-: ملعون من غَيَّرَ تخوم الأرض، أي: معالمها وحدودها واحدها تُخْمٌ قيل: أراد حدود الحرم خاصة، وقيل: هو عام في جميع الأرض، وأراد المعالم التي يُهتدى بها في الطريق، وقيل: هو أن يدخل الرجل في ملك غيره فيقتطعه ظلماً قال: ويروى تخوم بفتح التاء على الإفراد، وجمعه تخم بضم التاء والخاء.
انتهى وتغييرها: أن يقدمها أو يؤخرها فيكون هذا من ظلم الأرض الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (من ظلم شبراً من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين)، ففيه جواز لعن أهل الظلم من غير تعيين] تخوم الأرض: الشيء الذي يجعل علامة للاهتداء به، سواء كان موضوعاً علامة على الطريق الذي يسار فيه، أو علامة على أن ملك فلان ينتهي إلى هذا، أو أن هذا يفصل ملك هذا عن هذا، وكل هذا داخل في تغيير منار الأرض، وكله منار؛ لأن المنار هو الذي يستنار به ويهتدى به، سواء في السير أو في معرفة الملك.
ومن ذلك، بل أولى وأعظم منه معالم الشرع، ومن يقوم ببيانها وإيضاحها ودعوة الناس إليها، وتغيير ذلك هو الحيلولة بين من يفعل ذلك وبين أن يستفيد الناس منه، ويقوم بما يجب عليه؛ لأن هذا واجب على كل أحد، كل من علم علماً وجب عليه أن يبينه لعباد الله جل وعلا؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمرنا بالتبليغ، والله جل وعلا يقول له: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:108]، فأتباعه صلوات الله وسلامه عليه لا بد أن يكون لهم نصيب من طريقته ودعوته للناس وإلى توحيد الله جل وعلا.
فالتغيير في دين الله أعظم من التغيير في الحقوق المعينة، وسبق أن قلنا: إن هذا أيضاً يدخل فيه ما يفعله بعض الفسقة الذين قد يتولون شيئاً من معالم الأرض، أو من وثائقها التي توثق بها كالصكوك والمواثيق التي يكون فيها التحديد والإشهاد والإثبات، فربما تسول لبعض الفسقة أنفسهم أن يغيروا في الكتابة تقليلاً أو تكثيراً أو إزالة أو إخفاء، فيخفون شيئاً من ذلك أو يمزقونه؛ لأجل أن ينفعوا غيرهم أو ينتفعوا؛ فهذا أيضاً من تغيير أماكن الأرض ومنارها، فهم داخلون في اللعنة.
وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جاءت مثل هذا، فإنها تعم كل ما يدخل فيها من المنهيات التي تخالف الشرع؛ لأنه صلوات الله وسلامه عليه أعطي جوامع الكلم.