مرتبة الشرك الأصغر بين الذنوب

وقد مر معنا حديث عمران أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال له: (لو مت وحلقة الصفر عليك ما أفلحت أبداً)، وإن كان هذا قد يكون شركاً أصغر، والشرك الأصغر لا يخرج الإنسان من الدين الإسلامي، ولكنه أكبر من الكبائر، فهو أكبر من الزنا ومن السرقة، فيستحق عليه العذاب إن لم يتب منه، أو يعفو الله جل وعلا عنه.

وقد قال بعض العلماء: إن من وقع في ذلك ولم يتب منه فإنه لا بد من تعذيبه، وأن ذلك لا يدخل تحت المشيئة التي قال الله جل وعلا فيها: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48] فجعل الذنوب كلها تحت مشيئته جل وعلا إن شاء عفا عنها بدون مؤاخذة، وإن شاء عاقب صاحبها، ثم بعد ذلك يكون مآله إلى الجنة، أما الشرك فإنه لا يغفره.

ويقول البعض: إن الشرك الأصغر داخل في الأكبر، فلا يوجد شيء يخرجه؛ لأن هذا عموم يشمل الأكبر والأصغر: ((إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ))، ولبس الحلقة من الشرك، فهو لا يغفر إلا بالتوبة منه.

فإذا كان الأمر هكذا فيتعين على الإنسان أن يبتعد عن هذه الأمور الجاهلية، وهذه الاعتقادات الفاسدة، وليعلم أنه لا يضر ولا ينفع إلا الله جل وعلا، وإن كان الإنسان يقول: أنا أعلم ذلك ولكن هذا سبب، قد يقول قائل هذا القول، ولاسيما إذا وصف ذلك الأطباء مثلاً، فربما ركن إلى ذلك أكثر، فيقال: الأطباء ليسوا مرجعاً في هذا، المرجع في هذا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأكثر الأطباء جهلة بدين الله لا يعرفون شيئاً منه.

وليس كل ما فيه نفع يكون جائز الفعل، فعبادة الشيطان قد يكون فيها نفع لمن يعبد الشيطان، مثلاً إذا عبد أحد الشيطان يذهب الشيطان ويأتيه بشيء مما يريده ويطلبه من أمور الدنيا أو المنافع المعنوية، وهذا يقع كثيراً وهو من أعظم المحرمات، فليس الشيء الذي فيه منفعة مباحاً، بل يجب على الإنسان أن يتقيد بشرع الله جل وعلا، ويتقيد بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مع أن هذه الأمور في الواقع لا تنفع ولا تضر، قال الله جل وعلا: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ} [الزمر:38] يعني: هو كافي من توكل عليه، فمن يكون حسبه فهو يكفيه وحده.

وهؤلاء المشركون يعلمون أنها لا تملك النفع الذي يرسله الله جل وعلا إلى عبده، ولا تدفع عنه الضر الذي يريد الله جل وعلا به عبده، وإنما كانوا يتعلقون بها يطلبون شفاعتها هذا هو أصل عبادتهم؛ وذلك لأنهم عندهم عقول أدركوا بها أن الله جل وعلا هو الذي خلق كل شيء، وهو الذي ملك كل شيء، وهو الذي يتصرف بكل شيء، ولكن لما فقدوا نور النبوة دخل عليهم النقص شيئاً فشيئاً حتى صاروا مشركين لأوثانهم وأصنامهم من الأشجار والأحجار وغيرها، ويقولون فيها كلها: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} [الزمر:3]، والعبادة هي اتجاه إلى الشيء بدعاء أو تعلق بالقلب.

فلا يجوز للإنسان أن يفعل شيئاً من ذلك، وأهم ما لدى الإنسان دينه، وإذا سلم له دينه فهو السعيد، أما إذا فسد الدين فلو أتته الدنيا كلها بحذافيرها فإنها لا تغني عنه شيئاً.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015