ثم الدعوة إلى الله جل وعلا لها شروط ثلاثة لابد منها: الشرط الأول: أن تكون الدعوة مراداً بها وجه الله جل وعلا، ولا يُراد بها الظهور أمام الناس ليقال: هذا داعية ناجح، وهذا متكلم فصيح وبليغ، وهذا يعرف من العلم ما لا يعرفه غيره، فإنه إذا أراد شيئاً من ذلك فعمله لنفسه، وهو يدعو الناس إلى نفسه في الواقع، وإن أظهر أنه يدعو إلى الله فهو كاذب في دعوته، بل هو يدعو إلى عبادة نفسه وأن الناس يعظمونه، وهو بهذا يدعو إلى شهواته ومراده، فلابد أن يكون الداعي مريداً بدعوته وجه الله لا يريد جزاءً غير ذلك من عرض الدنيا ولا من ثناء الناس ومحبتهم له وقربهم إليه، فلا يجوز أن يريد شيئاً من ذلك، فإن أراد شيئاً من ذلك فهو لا يدعو إلى الله وإنما إلى غير الله.
الشرط الثاني: أن يكون الداعي متبعاً في ذلك طريق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا يدعو على حسب أوضاع يضعها هو أو جماعته، أي: لا يضع قوانين أو أنظمة أو قواعد يقعدها بعقله ونظره ويسميها (منهج الدعوة)، فإن هذا باطل، بل الدعوة يجب أن تكون على سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ويجب أن يُترسَّم طريقه، والرسول صلى الله عليه وسلم بقي عشر سنوات يدعو إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأول ما دعا يبدأ الناس إلى ذلك، ودعوته صلى الله عليه وسلم محفوظة، فكل ما قاله وما قيل له أو جله، ما ذهب عن الأمة منه شيء، بل حُفِظ والحمد لله، فعلى الداعية أن يعرف سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يترسم طريقه.
الشرط الثالث: أن يكون الداعي على بصيرة بدعوته، بأن يكون على علم، ويدعو على علم، ويعرف ماذا يدعو إليه، وماذا يجب أن يترك ويجتنب، وإن لم يكن كذلك صارت دعوته تفسد أكثر مما تصلح.