[(قال: فأخبرني عن الإحسان قال: أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، قال: فأخبرني عن الساعة قال: ما المسئول عنها بأعلم من السائل)].
معنى قوله: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل) أن علم الساعة استوى الخلق فيه، حتى الملائكة والرسل لا يعلمون ذلك، وإنما هو مستأثر عند الله جل وعلا، لا يعلم وقتها إلا الله جل وعلا، كما أخبر جل وعلا أنه أخفى علم الساعة عن جميع الخلق: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى} [طه:15] فهي واقعة، ولكن وقت وقوعها غير معلوم.
يقول علماء التفسير في معنى قوله: (أكاد أخفيها) قالوا: قد أخفاها الله عن الخلق، لكن المعنى: لو أمكن أن أخفيها عن نفسي لأخفيتها؛ وهذا إخبار عن شدة إخفائها، فلا أحد يعلمها، ولله الحكمة في ذلك.
ولهذا عدل عن ذلك إلى السؤال عن أماراتها -أي: العلامات- التي تكون قبلها، وعلاماتها كثيرة، ومن أول تلك العلامات: بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهو نبي الساعة وعلى أمته تقوم الساعة، والله جل وعلا يقول: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ} [القمر:1] يعني أنها قريبة، وما ذكر الله جل وعلا أنه قريب فهو قريب بلا شك، وقد مضى على بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ألف وأربعمائة عاماً، وكان بعض العلماء يتوقع من هذه الأمة ألا تبلغ الألف عام، وبعضهم يتوقع أنها تبلغ الألف، ولكن هذا كله لا دليل عليه ولا أمارات عليه، فأمر ذلك إلى الله جل وعلا لا يعرفه إلا الله، ومن علامات الساعة ما ذكرت في هذا الحديث وهي ما سيأتي.
[(قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان)].
العلامتان ذكر أنهما من علامات الساعة، إحداهما: أن تلد الأمة ربتها -وفي رواية: ربها- والمعنى أن تلد سيدها أو سيدتها، فكيف يكون ذلك؟ يقول العلماء: معنى ذلك: أن تسبى امرأة من الكفار فتكون أمة مملوكة لرجل من المسلمين، فيطؤها فتلد له بنتاً، فتكون بنتها هي التي تعتقها، فهي سيدتها؛ لأنها إذا ولدت الأمة فلا يجوز بيعها، بل تصبح أم ولد معتقة، فيعتقها ابنها أو بنتها، وهذا قد حدث في زمن الصحابة.
أما العلامة الثانية فهي كون البدو رعاء الشاء -رعاة الغنم والإبل- أهل تمدن يتطاولون في البنيان، أي: يتنافسون في البناء وحسنه وارتفاعه.
وهناك علامات لم تذكر هنا، قد ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم وهي كثيرة، ولهذا قسم العلماء العلامات إلى ثلاثة أقسام: قسم متقدم، وقسم متوسط، وقسم متأخر قبل الساعة تماماً، والمتأخر سموه (العلامات الكبرى) والذي قبله يسمونه: (الوسطى)، والتي قبلها -مثل هذه وغيرها- يسمونها: (العلامات الصغرى).