الكنية وبيان أن الأفضل أن تكون بالابن الأكبر

قوله: (فما لك من الولد؟ قلت: شريح ومسلم وعبد الله، قال: فمن أكبرهم؟ قلت: شريح، فقال: أنت أبو شريح)، وهذا تغيير للتكني، والعرب يكنون للتعظيم، والكنية: هي ما صدرت بأب أو أم، فيقال: أبو فلان أو أم فلان، بخلاف اللقب، فإن اللقب قد يكون -وهو الغالب- للتحقير والازدراء، وقد يكون لغير ذلك، فالكنية: ما بدأت بأب أو أم كأبي فلان أو أم فلان، وقد يكنى الإنسان بابنه، وقد يكنى بما يلازمه كأبي هريرة مثلاً، ومثل ذلك إذا كان عنده صنعة فيكنى بها لملازمته لها، وقد يكنى بشيء يكون موصوفاً به كأبي المعالي وأبي الفضائل وما أشبه ذلك، يوصف بذلك تعظيماً له، وغرض الناس من التكني بالكنية التعظيم، بخلاف اللقب، فإن اللقب قد يشعر مدحاً كزين العابدين مثلاً، وقد يشعر ذماً كأنف الناقة مثلاً، وهذا الغالب عليه، ولهذا يقول أحد الشعراء: أكنيه حين أناديه لأعظمه ولا ألقبه فالسوءة اللقب لأن اللقب قد يدل على التحقير.

وهذا الذي كني بـ أبي الحكم هو من باب التعظيم، ولكن هذا التعظيم خطأ وامتهان لاسم الله جل وعلا؛ فلهذا غيره الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم بدله بشيء يليق به.

وعندما سأله عن أبنائه أخبر أن له ثلاثة وعطفهم بالواو، فقال: شريح ومسلم وعبد الله.

فقال: (فمن أكبرهم؟) وهذا يدلنا على أن الواو لا تدل على الترتيب، وإنما تدل على الجمع؛ لأنها لو كانت تدل على الترتيب لما قال: أيهم الأكبر؟ فعرف أن شريحاً هو أكبرهم، فقال: شريح، فقال: (أنت أبو شريح)، وهذا يدل على أن الكبير له ميزة على الصغير، فيجب أن يميز عن الصغير ويقدر له قدر وميزة لكبر سنه، والرجل يكنى بولده الكبير، فإن لم يكن له ولد فيكنى بابنته الكبيرة، وليس التكني بالبنت عيب كما يقوله بعض الجهال؛ لأنها بنته، وكذلك الأم تكنى بابنها الكبير، فإن لم يكن لها أبناء كنيت بابنتها الكبيرة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015