صفات المتحابين في الله تعالى

يجب على الإنسان أن يكون عبداً لله جل وعلا، وعباد الله لهم صفات، منها: أنهم يتولون الله جل وعلا، ويفعلون أوامره، ويحبون أهل طاعته ويوالونهم، ويعادون أعداءه ويكرهونهم ويبغضونهم، ولا يكفي كون هذا في القلب، بل لابد أن يظهر على اللسان، وكذلك بالكلام، وكذلك بالفعل إذا أمكن.

لذا جاء أن من أعظم ما يتقرب إليه الإنسان أن يعادي أعداء الله، وفي الأثر: (أن الله جل وعلا أمر بإهلاك قرية، فقال ملك لله جل وعلا: إن فيها عبدك فلاناً، قال: به فابدأ؛ فإنه لم يتمعر وجهه فيّ يوماً قط) يعني: لم يغضب لله جل وعلا من المعاصي التي تقع في تلك القرية.

وأخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أن بني إسرائيل لعنوا على لسان أنبيائهم؛ لأنهم كانوا إذا رأى أحدهم من يرتكب منكراً نهاه وقال: يا فلان! اتق الله، ثم لا يمنعه كونه رآه على منكر أن يكون جليسه وأكيله وصاحبه، فلما رأى الله جل وعلا فعلهم ذلك ضرب قلوب بعضهم ببعض ثم لعنهم، ثم قال صلى الله عليه وسلم: (كلا والذي نفسي بيده! لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليفعلن الله بكم كما فعل بهم).

والأمر بالمعروف معناه: موالاة الله جل وعلا، ومعاداة أعدائه، وليس انتصاراً للنفس أو انتقاماً من الغير، هذا لا يجوز أن يكون، وإنما هذا اتباع لأمر الله، يفعل الإنسان ذلك لأن الله أمره بهذا، وهو يرجو هدايتهم ويفرح بذلك، فمعاداته على طريق صحيح، ليس لأجل هوى النفس أو انتقام أو لأنه من آل فلان أو من غيرهم، بل كل ما يكون من الحب والبغض هو لأجل امتثال أمر الله، ولأنه يحب الله ويحب طاعته، فمن اتصف بهذا أحبه ووالاه وصار عطوفاً عليه، وإن كان من أبعد الناس عنه نسباً، وإن كان بعكس بذلك كرهه وأبغضه، ويجب أن يظهر ذلك بفعله من قول وغيره، وليس معنى ذلك أنه يصبح مقاطعاً له مقاطعة كاملة بحيث لا يكون هناك بينهما أي معاملات، فالبيع والشراء والإيجار وما أشبه ذلك شيء آخر، يصح أن يكون بين الكافر والمؤمن وبين التقي والشقي؛ لأن هذه مبادلة بالمال، وليس لأحد فيها منة، وإنما الممنوع المؤاخاة والمصادقة والمودة التي تجلب الألفة، وليست لأجل مبادلة المال، فالمحبة لأجل الله جل وعلا لا يجوز أن تكون إلا بين المؤمنين فقط.

وقد أخبر الله جل وعلا بالعاقبة إن لم يحصل هذا، وذلك لما أخبر أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض، ثم أخبر أن الكافرين بعضهم أولياء بعض، قال بعدها جل وعلا: {إِلَّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ وَفَسَادٌ كَبِيرٌ} [الأنفال:73]، لما حصل ذلك من المؤمنين وجدت الفتنة والفساد الكبير، والفتنة فتنة في الدين، وانحراف عن الصراط المستقيم، وعند ذلك حري أن تقع عليهم العقوبة، وأن يصابوا بعذاب يغدقهم، والفتنة إذا جاءت لا تخص بل تعم؛ لأن الفساد العام العريض الكبير -مثل هذا- يعم، وإن كان في النتائج والنهايات كل محاسب على قدر نيته وعمله.

ففي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن جيشاً يغزو مكة، فإذا كانوا في بيداء من الأرض خسف بهم، ولا يبقى فيهم إلا من يخبر عنهم، فقالت عائشة: أيخسف بهم وفيهم أسواقهم؟ قال: (نعم يخسف بهم ثم يبعثون على نياتهم) يعني: يأخذهم العذاب عموماً، ثم بعد ذلك يحاسبون على نياتهم وأعمالهم، فمن هو عاجز وكاره لا يكون مثل الطائع القادر.

والمقصود: أنه يجب على المؤمن أن يتميز بطاعة الله وبموالاة الله وموالاة المؤمنين ومودتهم، وبكراهة الكافرين وبغضهم ومعاداتهم، وهذه هي ملة إبراهيم التي جاء بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد قال الله جل وعلا: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4] يعني: لا مصالحة ولا مودة بل بغض ومعاداة إلى أن يؤمن الكفار.

أما قول الله جل وعلا: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة:8]، فهذا من الإحسان الدنيوي؛ إذا كان هناك من الكافرين من له صلة بك فلا مانع من أن تحسن إليه بالمال وغيره، وأما المودة فلا؛ ولهذا قال جل وعلا عن المودة: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً} [الممتحنة:7]، فالمودة قد تكون منهم بأن يؤمنوا، أما المؤمن فلا يحصل منه مودة للكافرين أبداً إلا أن يزول منه الإيمان والعياذ بالله، قال الله: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [المجادلة:22] أي: أن هذا غير موجود، فمن وادّ الكفار فإيمانه إما ضعيف جداً أو منتفٍ، وإذا كان الإيمان ضعيفاً فلا أثر له، وحينها لا يمنع الإنسان من ارتكاب المعاصي، ولا يحمله على فعل الطاعات، فيكون أثره ضعيفاً، وإنما الإيمان النافع الذي يمنع من ارتكاب المعاصي، ويحمل على فعل الطاعات، وهو الإيمان القوي.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015