أما قوله: (لا نوء) في زيادة مسلم: النوء واحد الأنواء، وكانوا يعتقدون أن المطر يكون بالأنواء، وأن بعضها محموداً وبعضها منحوساً، بعضها أنواء نحس لا يأتي فيها خير وبعضها محمودة، ولهذا كانوا يسمون بعضها: سعداً أو سعد السعود، أو سعودات، وبعضها يتشاءمون بها أشد التشاؤم كسعد الذابح، فيقولون: هذا نوء غير محمود، يعني: أنه لا يحصل فيه المطر ولا يحصل فيه الخير أو لا يحصل به الخير.
وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم لما كان في الحديبية وقع مطر في الليل، فلما صلى واستقبل المسلمين، قال لهم: (أتدرون ما قال ربكم الليلة؟ قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب)، فالأنواء: هي الكواكب التي هي منازل للقمر، بمعنى أنه كل ليلة يكون موازياً لواحد منها، وسميت: أنواء؛ لأنه كلما طلع واحد غرب واحد مقابله من الغرب، وعددها ثمان وعشرون نوءاً، منازل القمر كل ليلة في واحدة منها، ويرى منها أربعة عشر، كلما غرب واحد خرج مقابله واحد من الشرق، ويكون منها أربعة عشر فوق الأرض تنظر، وأربعة عشر تحتها مغطيةً لها، وهي مدبرة مأمورة تسير بأمر الله تعالى، وقد أخبر جل وعلا أنه قدر القمر منازل؛ وأن ذلك لمعرفة عدد السنين والحساب حكمةً من الله جل وعلا.
وسيأتي أن الكواكب خلقت لأمور ثلاثة -وأن من اعتقد غير ذلك فإنه ضال-: خلقت رجوماً للشياطين، وزينةً للسماء، وعلامات يهتدى بها في ظلمات البر والبحر في المسير.
كما أنها أيضاً علامات على عظمة الرب جل وعلا، وآيات دالة على أنه هو الخالق المتصرف، وأنه هو الذي يجب أن يعبد، ومن اعتقد غير ذلك فهو ضال، فليس عند النجوم تقدير وليس عندها سر من الأسرار، وإنما هي مدبرة مأمورة مطيعة لله جل وعلا، فهذا معنى قوله: (ولا نوء) يعني: أن ما يعتقده أهل الجاهلية من أن المطر ينزل بالأنواء لا حقيقة له وباطل، بل هو من الشرك.