قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرهن.
وكل ما جاز بيعه جاز رهنه، وما لا فلا].
الرهن: توثقة دين بعينه، والرهن يكون في الحضر والسفر، وأما قوله تعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283] فهذا في بيان الأغلب.
وإذا كان زيد يطلب عمراً ألف ريال، ولكنه قال: أخشى ألا توفيني حقي وأريد منك رهناً، فارهني سيارتك، فيوثق دينه الذي في ذمة عمرو بهذه السيارة التي سلمها له.
وكل ما جاز بيعه جاز رهنه، كالعقارات والأراضي وغيرها، أما الذي لا يجوز بيعه فلا يجوز رهنه مثل الطير في الهواء والجمل الشارد والعبد الآبق والحوت في البحر فلا بد للرهن أن يكون عيناً مقبوضة يمكن قبضها، ولهذا قال سبحانه: {فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ} [البقرة:283].
قال: [ولا يلزم إلا بالقبض، وهو نقله إن كان منقولاً والتخلية فيما سواه].
لا يلزم الرهن إلا بالقبض، وهو نقله إن كان منقولاً، وإن لم يكن منقولاً فبالتخلية، فإذا رهن السيارة يسلمه المفتاح، أما إذا كان لا ينقل إلا بالتخلية كالأرض فيخلي بينه وبينها أو يعطيه الصك، وكذلك الدار يسلمه مفاتيحها، فما يقبل قبضه فبالنقل، وما لا يقبل قبضه فبالتخلية.
أما قوله في الشرح: ولا يصح، وفي المتن: ولا يلزم فهما متقاربان؛ لأنه إذا لم يسلمه فلن يستطيع أن يوثق دينه إلا إذا قضاه.
وأما بيع الدين بالدين فلا يصح لأنه لابد من قبضه، وهو منهي عنه بالإجماع، ولا يجوز إلا إذا قبض مفاتيح الدار أو الدراهم، أي: قبض العوض أو المعوض.
وإذا سلمه العربون وهو أن يدفع له جزءاً من المال، ويقول له: إن سددت لك المال في وقت كذا وإلا فهو لك، فهذا جزء من الشرط، فإن سدد باقي المال وإلا فالعربون له.
والصواب: أن بيع العربون يصح؛ لأنه مقابل تأخير السلعة وحبسها.
والمقصود: أنه لابد من قبض أحد العوضين وأظن أن هذا البيع يوجد في الشركات، فيبيعون الدين بالدين وهو شيء لم يقبض.
أي: صاحب الدين إذا أرسل وكيله ليقبض عنه فهو قبض له إذا كان أميناً.
قال: [والرهن أمانة عند المرتهن أو أمينه لا يضمنه إلا أن يتعدى].
الرهن أمانة في يد المرتهن وهو صاحب الدين أو وكيله، فإن تلف الرهن بدون تعد ولا تفريط فلا شيء عليه، وإن تعدى وفرط ضمنه، فإذا أهمل الرهن كأن يكون دابة ولم يعلفها حتى ماتت يضمنها، أما إذا ماتت ولم يفرط في حفظها وعلفها فليس عليه شيء، والقاعدة: أن المؤتمن إذا لم يتعد ولم يفرط لا يضمن، وإذا تعدى وفرط ضمن.