قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الخيار.
البيعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما، فإن تفرقا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع، إلا أن يشترط الخيار لهما أو لأحدهما مدة معلومة].
الخيار: اسم مصدر اختار، أي: طلب خير الأمرين، من الإمضاء أو الترك، واختار يختار والمصدر اختيار، واسم المصدر خيار؛ لأن اسم المصدر ينقص حروفه عن المصدر، فالخيار اسم مصدر اختار، أي: طلب خير الأمرين من الإمضاء أو الترك، وإذا باع شيئاً أو اشترى شيئاً فإنهما بالخيار ماداما في المجلس ما لم يتفرقا بأبدانهما، والتفرق يكون بالأبدان، فإذا اشتريت من إنسان سيارة وأنتما جالسان في البيت تشربان القهوة، وجلستما ساعة أو ساعتين فهذا خيار المجلس، فإذا أراد أحد أن يفسخ البيع وقال: أنا اشتريت منك قبل ساعة ونحن جالسان في المجلس، لكن الآن بدا لي أن أفسخ؛ لأنني تهورت، فلا أرغب في شرائها.
في هذه الحالة له ذلك؛ لأن في مجلس الخيار، فإن تفرقا بالأبدان فقد وجب البيع وانتهى الخيار، إلا إذا اختار إسقاط الخيار، كما جاء في الحديث: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا أو يخير أحدهما الآخر) كما مر معنا في شرح البلوغ، فإذا اختار إسقاط الخيار يلزم بمجرد العقد، وكذلك إذا اشترط الخيار مدة معلومة، كأن يشتري أحدهم سيارة من آخر ويقول: لي الخيار ثلاثة أيام أو شهراً أو شهرين فهما على المشارطة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المؤمنون على شروطهم، إلا شرطاً أحل حراماً أو حرم حلالاً)، والصواب: أن التفرق يكون بالأبدان، هذا هو الذي عليه الجماهير وهو ما دل عليه الحديث، ومر معنا في البلوغ في رواية: (حتى يتفرقا من مكانهما)، بلفظة (من مكانهما)، خلافاً لـ مالك رحمه الله، فإنه قال: يتفرقا بالأقوال، وهذا ضعيف؛ لأنه يسقط فائدة هذا الحديث، وهو راوي الحديث أيضاً، ومع ذلك ذهب إلى أن التفرق بالأقوال لا بالأبدان، حتى تشدد بعض الخصوم، فقال -من باب المبالغة-: ينبغي أن يؤدب مالك لمخالفته للحديث.
والصواب: أن التفرق إنما يكون بالأبدان، وقد ورد عن ابن عمر رضي الله عنه أنه إذا باع فأراد أن يلزم البيع مشى خطوات، ثم رجع إليه، وهذا محمول على أنه ما بلغه، ولهذا جاء في الحديث: (ولا يحل له أن يفارقه خشية أن يستقيله)، لكن هذا محمول على أن ابن عمر لم يبلغه النهي فلا ينبغي للإنسان إذا اشترى سلعة أن يقوم حتى يمضي البيع، فعليه أن يجلس، والحمد لله كل واحد بالخيار، فقد يبدو لك أنك لا ترغب في السلعة فتردها إلى صاحبها.
قال: [البيعان بالخيار ما لم يتفرقا بأبدانهما، فإن تفرقا ولم يترك أحدهما البيع فقد وجب البيع، إلا أن يشترط الخيار لهما، أو لأحدهما مدة معلومة، فيكونان على شرطهما، وإن طالت المدة إلا أن يقطعاه، وإن وجد أحدهما بما اشتراه عيباً لم يكن علمه فله رده أو أخذ أرش العيب].
إذا وجد في السلعة عيباً فهذا له الخيار، ويسمى خيار العيب، فهناك خيار المجلس وخيار الشرط وخيار العيب (الغرر) فإذا وجد بها عيباً فله الخيار إن شاء ردها وأخذ المال، وإن شاء أبقاها وأخذ الأرش، والأرش هو الفارق بين الصحيح والمعيب، فإن اشترى مثلاً سيارة بخمسين ألفاً، ثم وجد بها عيباً، فقال: أنا أريد السيارة، لكن أريد مقابل هذا العيب فينظر أهل الخبرة كم يساوي هذا العيب، وكم تساوي السيارة إذا كانت معيوبة، فإذا قالوا: تساوي ثلاثين ألفاً، وتساوي الصحيحة خمسين ألفاً، فيقول: إذاً سلموا الأرش، والأرش عشرون ألفاً وهو الفارق، أو يرد المشتري السيارة ويرد البائع الدراهم.
قال: [وما كسبه المبيع أو حدث فيه من نماء منفصل قبل علمه بالعيب فهو له؛ لأن الخراج بالضمان].
إذا حصل المبيع وحصل فيه نماء فإنه يكون للمشتري، فمثلاً إنسان اشترى سلعة وجلست عنده سنة، ثم تبين فيها عيب، لكن في هذه السنة المبيع حصل فيه زيادة شجر وصار فيها ثمر أو دابة ولدت ثم رد السلعة إلى صاحبها فإن النماء يكون للمشتري وليس للبائع؛ لأن الخراج بالضمان، والخراج هو النماء والزيادة، يعني: مقابل الضمان، يعني: كما أنها لو تلفت السلعة وهي عند المشتري ضمنها فكذلك إذا كسبت يكون له الكسب، فالكسب الذي يكون للمشتري مقابل الضمان الذي يضمنه لو تلف، فالخراج بالضمان.
قال: [وإن تلفت السلعة أو عتق العبد أو تعذر رده فله أرش العيب].
إذا اشترى سلعة وجلست عنده سنة وتلفت هذه السلعة، ولكن تبين أن فيها عيباً قبل أن تتلف، نقول للبائع: رد عليه الأرش، وأعطه مقابل النقص في العيب؛ لأن السلعة لا يمكن ردها، أو اشترى عبداً وتبين فيه عيب، كأن يكون سارقاً فهذا نقص، فنقول للبائع: أعط المشتري الأرش مقابل هذا العيب، فإذا كان العبد يساوي مثلاً مائة ألف، وإذا كان يسرق لا يساوي إلا سبعين ألفاً، نقول: أعطه الأرش ثلاثين ألفاً.