شرح حديث: (رأيت رسول الله يأكل الدجاج)

الحديث الذي بعده يتعلق بأكل لحم الدجاج، وفيه هذه القصة، وهي أن أبا موسى رضي الله عنه قدم إليه طعام وعليه لحم دجاج، وعنده رجل من بني تيم، فتلكأ لما دعي لأكله، فأخبر أبو موسى بأنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأكله، ولكن ذلك التيمي اعتذر بأنه رآه يأكل شيئاً فكرهه، وفي بعض الروايات فسر بأنه رآه يأكل النجاسات، فكرهته نفسه، وامتنع من أكله.

وبكل حال الدجاج المعروف من جملة ما ذلل للإنسان، فهو من الدواب التي لا تنفر من الناس، بل تألف الناس، وتكون في البيوت، وهي لا تطير كما يطير غيرها من الطيور؛ ولهذا يقول بعضهم: كذا دجاج البيوت لهن ريش ولكن لا يطرن مع الحمامة فهي ولو كانت لها أجنحة لكن ليست مما ينفر من الناس ويذهب، بل تألف البيوت، وتتوالد عند الناس، ثم إذا أراد أهلها الذين يملكونها أن يأكلوها أمسكوها وذبحوها، وأكلوا لحمها، وأكلوا أيضاً من بيضها، فهي من جملة ما سخر للإنسان.

وهذا الدجاج غذاء كثير من الناس، وقد لا يستغني عنه غالباً أهل بيت إلا ما شاء الله، فهو من جملة الأطعمة الحلال المباحة، لكن قد يقال: إنه أحياناً يتغذى بالنجاسة، فيأكل النجاسات، ولعله سبب كون ذلك التيمي كرهه، وهو قد يتغذى أحياناً بالنجاسات، إذا وجد العذرة أو نحوها من النجاسات يأكل منها، وحينئذ يكون له حكم الجلالة، والجلالة هي التي تأكل العذرة أي: النجاسات ورجيع الآدمي، وقد وردت أحاديث في النهي عن أكلها ما دام عرف ذلك عنها حتى تطهر، فقالوا: إذا كانت الناقة أو الجمل أو البقر جلالة -يعني: تأكل من النجاسات- فإنها تحبس، قيل: أربعين يوماً، وقيل: سبعة أيام، وتطعم طعاماً طيباً من النبات أو الشعير أو نحوه إلى أن يطيب لحمها، ويذهب عنها ذلك الغذاء الخبيث.

أما إذا كانت من الغنم فقالوا: يكفي حبسها سبعة أيام حتى ينظف بطنها، ويزول ما فيها من ذلك الغذاء النجس، وأما إذا كانت من الدجاج فإنها تحبس ثلاثة أيام، وتطعم من الحبوب التي تتقوت بها غالباً كالبر ونحوه حتى يطيب لحمها أو يطيب غذاؤها، فيكتفى بحبسها ثلاثة أيام.

وذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يجوز أكلها حتى ينبت لها لحم غير ذلك اللحم أو يتغير، وفي هذا شيء من التشديد، وعلى كل حال يقول العلماء: إن هذا النجاسة التي أكلتها ولو أنها أثرت في بدنها وفي لحمها ولكن تأثيرها قليل، فاللحم موجود، وآثار ذلك الغذاء يرى في عروقها وفي أمعائها، ولكن بعد ما تحبس وتطعم الطعام الطيب يزول ذلك الأثر.

ومعروف أن الدجاج في هذه الأزمنة قد تطعم طعاماً نجساً، الدواجن الموجودة الآن التي يبيعها أهلها يذكرون أنهم يغذونها بأغذية مستوردة قد يكون فيها شيء من النجاسات، يأخذون الدم أو غيره ويخلطونه بأشياء، ثم يجعلونه غذاء لهذه الطيور كالحمام والأوز والدجاج وما أشبهها حتى تتغذى به، لكن ذهب بعض العلماء إلى أنه طاهر؛ وذلك لأنه تحال، وقالوا: إن النجاسة تطهر بالاستحالة، وما دام أنه عقم وأدخل في مصانع وأزيل أثر ذلك القذر الذي فيه؛ فلا مانع من التغذي به، وإن كان الأفضل أن أهل الدواجن لا يغذونه إلا من الشيء الذي يتحققون طهارته وبعده عن النجاسة.

وبكل حال هذه أحاديث تدل على بعض ما يباح من الأطعمة، والأصل فيها أنها حلال، وقد عرفنا أن الطيور والحيوانات الأصل فيها الحل إلا ما استثني، فاستثنوا الدواب والطيور التي تأكل الجيف كالسباع والرخم والنسور والغراب والعقاب وما أشبهه، واستثنوا ما له مخلب، وغالباً أن الذي له مخلب يأكل الجيف كالصقر والبازي وما أشبه ذلك، واستثنوا ما تستخبثه العرب ولا تستطيبه، واستثنوا الحشرات، واستثنوا ما أمر بقتله كالفواسق أو ما نهي عن قتله كالنملة والنحلة والهدهد والصرد، وما بقي فالأصل فيه الإباحة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015