من واجب القضاة أن ينصحوا الخصوم، ويجب على الخصم ألا يقدم على خصومة وهو يعلم أنه لا حق له في هذه الدعوى التي يدعيها في مال أخيه، بل يعلم أنه معتدٍ ظالم خاطئ في تقدمه بهذه الدعوى، وقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم الاعتداء على الحق، حتى قال: (من اغتصب شبراً من الأرض طوقه من سبع أراضين) شبراً من الأرض إذا أخذه بغير حقه جعل طوقاً في عنقه يوم القيامة، فماذا يفعل؟ وهل يستطيع أن يحمله من سبع أراضين؟ جاء في بعض الروايات: (خسف به إلى سبع أراضين) ، وهذا فيه التخويف من اغتصاب الأرض، وكذلك اغتصاب الأموال الأخرى، فإنه يأتي بها وهو يحملها كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة وعلى ظهره بعير له رغاء) يعني: قد أخذه بغير حقه، (يقول: يا محمد يا محمد! فأقول: لا أملك لك شيئاً، قد أبلغتك، لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة وعلى رقبته بقرة لها خوار، لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة وعلى رقبته شاة لها يعار -يعني: ثغار- لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة وعلى رقبته رقاع تخفق -يعني: الأكسية ونحوها- قد أخذها بغير حق) ، وهكذا بقية الأموال المغصوبة يأتي بها الظالم يوم القيامة، فالقاضي عليه أن يذكر الخصوم، وأن يبين لهم قبل أن يحكم بأنك أيها الظالم تعرف ظلمك، وتعرف اعتداءك، وتعلم أنه لا حق لك في هذا، ولكن حملك عليه الجشع، وحملك عليه التعدي، فلا حق لك فيه، فترفق وارفق بنفسك، فإن هذا الذي تأخذه تأتي به يوم القيامة، وتعذب به ويكون قطعة من النار، ولو حكم به القاضي فحكم القاضي إنما هو على الظاهر؛ لأنه لا يعلم بواطن الأمور، فلا يصير الحكم حلالاً، قال الله تعالى: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ} [البقرة:188] أي: ترفعوها إلى الحكام ثم تستدلوا بحكم الحاكم أنه حلال، حكم الحاكم لا يغيرها، ولا يجعل الحرام حلالاً، بل هو حرام عليك ولو حكم به عشرون قاضياً، فهو لا يزال حراماً، فحق أخيك المسلم الذي أخذته عدواناً وظلماً لا يصيره حكم الحاكم حلالاً.