معلوم أن الحلف تأكيد للمحلوف به، ولكن قد ذكرنا أنه لا يجوز للإنسان أن يقدم على الحلف وهو شاك في الأمر، ولا وهو كاذب، وإذا حلف هو كاذب على أمر من الأمور لاسيما إذا كان يستحل بحلفه مالاً يأخذه بغير حق فإن ذلك حرام عليه، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اقطع مال امرئ مسلم بيمين هو فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان.
قالوا: وإن كان شيئاً يسيراً يا رسول الله؟! قال: وإن كان قضيباً من أراك) يعني: عود السواك الذي يستاك به، فلو اقتطع باليمين سواكاً فإنه يُعتبر قد اقتطع مالاً بغير حق بيمين هو فيها كاذب، فجمع بين الكذب وبين أخذ ما لا يستحقه من المال ولو كان يسيراً، فاستحق أن يلقى الله تعالى وهو عليه غضبان.
كذلك نقول: إن على المسلم أيضاً أن يحترم أسماء الله تعالى، فلا يكثر الحلف مخافة أن يقع في كذب وهو غير متعمد ثم يلام على ذلك، وقد كثر حلف الناس على البيع والشراء، وهو بغير شك يوقعهم في كثير من الفجور أو نحو ذلك، وقد قال الله تعالى: {وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَهِينٍ} [القلم:10] ، و (حلّاف) صيغة مبالغة، أي: كثير الحلف.
فإن الذي يكون كثير الحلف لابد أن يقع في شيء من الكذب.
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذين لا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم، وذكر منهم رجلاً حلف على سلعة بعد العصر لقد أعطي بها كذا وكذا وهو كاذب، وخص بعد العصر لأنه وقت شريف من أفضل الأزمنة، وخص الحلف مع أنه حلف بالله لأنه حلف على كذب فصدقه الذي حلف له وزاد في ثمن تلك السلعة لأنه حلف، فهذا أخذ ما لا يستحقه وحلف بالله وهو كاذب، وامتهن حرمة الزمان الذي هو وقت شريف وهو بعد العصر، فكان ذلك سبباً لعقوبته بهذه العقوبة، ولذلك نتواصى بأن نحفظ أيماننا، كما يقول الله تعالى: {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة:89] أي: لا تكثروا الحلف فتقعوا في الحنث.
وكذلك لا نكثر الحلف بالله، كما يقول الله تعالى: {وَلا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ} [البقرة:224] أي: لا تكثروا من الحلف الذي هو مظنة الكذب أو نحو ذلك، وعلى كل حال الكلام على الأيمان معروف، والحمد لله.