قال المصنف رحمه الله تعالى: [كتاب الأيمان والنذور.
عن عبد الرحمن بن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا عبد الرحمن بن سمرة! لا تسأل الإمارة؛ فإنك إن أعطيتها عن مسألة وكلت إليها، وإن أعطيتها عن غير مسألة أعنت عليها، وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيراً منها فكفر عن يمينك وائت الذي هو خير) .
وعن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني والله -إن شاء الله- لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيراً منها إلا أتيت الذي هو خير منها وتحللتها) ] .
من الأحكام الكلام على الأيمان وعلى النذور، واليمين هي الحلف، ويُسمى قسماً، وسمي يميناً لأن المتحالفين في الجاهلية كانوا يتقابضون بالأيمان من باب التأكد ومن باب التقوية، فيمسك أحدهما بيمين الآخر ثم يقسم هذا القسم المؤكد، فمن ثمَّ سمي الحلف يميناً، كما ذكر في قول الله تعالى: {لا يُؤَاخِذُكُمْ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ} [البقرة:225] ، وذكر باسم الحلف في قوله تعالى: {ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة:89] ، حيث ذكر الله كفارة اليمين، ثم ذكر أن هذا حلف، وذكر باسم القسم في قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} [الأنعام:109] ، وفي قوله: {وَقَاسَمَهُمَا} [الأعراف:21] يعني: حلف لهما.
وقد أقسم الله تعالى بالقرآن في عدة مواضع، كقوله تعالى: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ} [التكوير:15] ، وقوله: {فَلا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ} [الانشقاق:16] ، وقوله: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} [البلد:1] ، وقوله: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} [القيامة:1] ، وكذا قوله: {وَالْفَجْرِ} [الفجر:1] ، وقوله: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} [الليل:1] ، وقوله: {وَالضُّحَى} [الضحى:1] ، وقوله: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا} [الشمس:1] ، وقوله: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً} [العاديات:1] ، وقوله: {وَالْمُرْسَلاتِ عُرْفاً} [المرسلات:1] ، وقوله: {وَالصَّافَّاتِ صَفّاً} [الصافات:1] ، وقوله: {وَالطُّورِ} [الطور:1] ، وقوله: {وَالذَّارِيَاتِ ذَرْواً} [الذاريات:1] وما أشبهها، فهذه تُسمى أقسام القرآن التي أقسم الله فيها.
والله تعالى له أن يقسم من خلقه بما يشاء، وأما المخلوق فليس له أن يقسم إلا بخالقه وبربه، وذلك لأن القسم تعظيم للمقسم به كما سيأتي.