اتفق العلماء على أن دية الخطأ ودية شبه العمد تكون على العاقلة؛ حتى لا يتحمل القاتل أشياء عليه فيها ضرر، فإنه قد يعجز مع عذره، ومعلوم أنه معذور حيث إنه لم يتعمد، وبالأخص إذا كان مخطئاً، وقد يحصل موت كثير بسبب الخطأ، كالانقلاب والاصطدام ونحوه، فقد يموت معه عشرة أو عشرات، ولو تحمل ديتهم وحده لعجز، فمما جاءت به الشريعة أن خففت عنه، وجعلت عليه جزءاً يسيراً من الدية أو لم يجعل عليه شيء، وجعلت على عاقلته الذين هم أقاربه.
ولما كانت الدية تحملها العاقلة، والعاقلة ما جنت، قسمت على ثلاث سنين، ويكون عليهم في كل سنة ثلثها، فتفرق على إخوة القاتل وبنيهم، وأعمامه وأبناء عمه، وأبناء عم أبيه وبنيهم، وهكذا إلى الجد الخامس أو الجد السادس، وربما إلى الجد السابع أو الثامن إذا قلوا، فتقسم الدية عليهم، هذا معنى تحمل العاقلة لدية الخطأ ودية شبه العمد.
في هذا الحديث حكم بالدية على العاقلة، وحكم بدية السقط غرة عبد أو أمة، وأن الذي يحمله نفس الجاني، العاقلة لا تحمل الصلح، ولا تحمل الإقرار، ولا تحمل العمد، ولا تحمل ما دون الثلث؛ فلذلك أنكر ولي المرأة أن يفدى هذا السقط، وتكلم بهذا الكلام، وهو قوله: كيف نفدي من لا أكل، ولا شرب ولا استهل، فمثل ذلك يطل؟ هكذا تلفظ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما هذا من إخوان الكهان) من أجل سجعه الذي سجع، ومعروف أن الكهان يتعاطون السجع في كلامهم، ويحرصون على الكلام المتوازن، وهذا فيه سجع كما سمعنا: كيف نفدي من لا أكل، ولا شرب، ولا استهل، فمثل ذلك يطل؟ يعني: الجنين ما أكل، مات قبل أن يحتاج إلى الأكل، ولا شرب، ولا استهل عندما ولد أي: ما ظهر أنه استهل، واستهلال المولود هو أن يصيح ساعة ولادته، فهذا ما استهل، فمثل ذلك يطل يعني: يهدر، ويترك، ويهمل، ولا يكون له دية، فالنبي صلى الله عليه وسلم أنكر عليه كلامه وقال: (إنه من إخوان الكهنة) .