قوله صلى الله عليه وسلم في بنت حمزة: (لا تحل لي إنها ابنة أخي من الرضاعة) .
ابنة حمزة قتل أبوها وهي صغيرة في مكة، ثم في عمرة القضية سنة سبع أخذوها معهم إلى المدينة، وكفلها ابن عمها جعفر، وكانت زوجته خالتها، وبقيت عند خالتها، وقد عرضها على النبي صلى الله عليه وسلم وقيل له تزوجها فقال: (لا تحل لي) ، وذلك لأن حمزة رضع من ثويبة وثويبة أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم، فلذلك أصبح أخا حمزة من الرضاع.
فهذا دليل واضح على أنه إذا حصل الرضاع من امرأة أجنبية، وأرضعت اثنين؛ أصبحا أخوين من الرضاع، فهذه ثويبة أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم وليست أمه، وأرضعت حمزة وليست أمه، فصارا أخوين منها، فصار الرضاع من امرأة أجنبية محرماً، وبالطريق الأولى إذا كان الرضاع من أم أحدهما، فإن حليمة السعدية التي أرضعت النبي صلى الله عليه وسلم أصبحت أمه، وأولادها الذين ولدتهم أو أرضعتهم يعتبرون أيضا إخوة له، وهذا التحريم يختص بالرضيع ولا يتعدى إلى إخوته، فلذلك لم يتعد إلى إخوة حمزة كـ العباس وأبي طالب، فإن كل واحد منهما ولو كان أخاً لـ حمزة بن عبد المطلب فإنه لا يعتبر أخاً للنبي عليه الصلاة والسلام، فالإخوة اختصت بالرضيع الذي هو حمزة.
وتكون الرضاعة مؤثرة في أقارب المرضعة، فيكون زوجها أباً للرضيع، وأقاربه محارم للرضيع كما في قصة عائشة، فإن امرأة أبي القعيس أرضعتها، ثم هلكت المرأة وهلك أبو القعيس، وجاء أخوه واسمه أفلح واستأذن على عائشة، فامتنعت وقالت: كيف آذن له وهو لم يرضعني، ولم ترضعني امرأته، وإنما أرضعتني امرأة أخيه؟ فأخبرها بأنه عمها وقال: أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي، فإن اللبن تسبب من أخيه، فصار أخوه صاحب اللبن أباً لـ عائشة، وزوجة أبي القعيس المرضعة أماً لـ عائشة، وأخا أبي القعيس الذي هو أفلح عماً لـ عائشة، وأولاد أبي القعيس إخوة لـ عائشة من الرضاعة.
وهذا يبين أن الرضاعة تتعدى إلى أقارب المرضعة وإلى أقارب زوج المرضعة، ولا تتعدى كما ذكرنا إلى أقارب الرضيع، فإخوة عائشة لم يؤثر فيهم رضاعها من امرأة أبي القعيس، فأخوها عبد الرحمن لم يكن ابناً لـ أبي القعيس، وكذلك أخوها محمد وأختها أسماء ونحوهم، بل اختصت الرضاعة والتحريم والتأثير بالراضعة التي هي عائشة.
فلما استأذن عليها استغربت وقالت: كيف آذن له وهو بعيد لم يرضعني هو، ولم ترضعني امرأته، فليست امرأته هي التي أرضعتني وإنما امرأة أخيه، وليس هو الذي أرضعني؟ فلما قال لها: أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي، أقر ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وجعل ذلك مبرراً لكونها تأذن له أن يدخل عليها ويسلم عليها؛ لأنه أصبح عمها، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم: (ائذني له فإنه عمك تربت يمينك) ، وكلمة (تربت يمينك) ذكر المؤلف أنه لا يقصد بها حقيقة الدعاء، وإنما يقصد بذلك التوبيخ لعدم الفهم، أو لعدم التذكر.