أما كيفية التنزه من البول: فيكون بأن يتحفظ الإنسان من أن يصيب البول ثوبه أو بدنه، فعند التبول يتحرى مكاناً رخواً أو ليناً؛ حتى يأمن من رشاش البول وتطاير قطراته على ثيابه أو على ساقه أو نحو ذلك، والذي قد يوقعه في إفساد عباداته، وكذلك بعد التبول لا يقوم إلا بعد أن يتأكد من انقطاع أثر البول؛ لأن العادة أن يتقاطر البول أثناء سيره أو نحو ذلك، ومن التنزه ألا يقوم إلا بعد الاستجمار، أو بعد أن يمسح محل البول، فيمسح الرجل مجرى البول وهو رأس الذكر، والمرأة تمسح مجرى البول ومخرجه، حتى يتحقق أنه نظف ولم يبق فيه شيء، وإذا تيسر الاستنجاء -وهو غسل محل البول بالماء أو غسل الفرج أو كلا الفرجين بالماء- فإن ذلك من أسباب انقطاع البول، ولكن بعض الناس قد يصل بهم الأمر إلى شيء من التوهم أو الوسوسة، فكثير منهم يشتكي بأنه يحس بتقاطر أو بخروج كلما قام أو كلما انتهى من الاستنجاء ومشى أو نحو ذلك.
فالأصل أنه لا حاجة إلا إلى الاستنجاء، فإذا استنجى بغسل ذكره أمن بذلك إن شاء الله أن يبقى فيه بقية.
وأما ما ورد في الحديث: (إذا بال أحدكم فلينتر ذكره) فهو ضعيف لا يثبت، والصحيح: أنه لا حاجة إلى النتر، ولا إلى أن يسلته مثلاً، ولا إلى إدخال قطنة في مجرى البول، ولا إلى القفز كما يفعله البعض، ولا إلى أن ينزل في منحدر، ولا إلى أن يتعلق ويحرك نفسه ليخرج ما تبقى من البول في المجرى؛ فإن كل ذلك إنما يفعله الموسوسون، وهو مما لا حاجة إليه.
ويقول العلماء: إن البول في المثانة بمنزلة اللبن في الضرع، إن حُلب در وإن ترك قر، فإذا أراد الإنسان إخراجه فإنه يخرج، وإذا كان يريد إمساكه فإنه يبقى، وذلك من تيسير الله على الإنسان، فلو كان البول يجري كلما اجتمع لشق على الإنسان؛ لأنه دائماً يمشي ويتحرك، ولكن جعله الله متوقفاً حتى يريد الإنسان إخراجه.
فهؤلاء الذين يبتلون بهذه الوسوسة والتوهمات يقال لهم: اقطعوا عنكم التوهمات، وثقوا بأن هذا ليس بشيء، ولكن إذا أحس الإنسان بشيء متحقق، كخروج قطرات من ذكره؛ فإن ذلك يعتبر ناقضاً، فعليه أن يستنجي ويعيد الوضوء، وأن يغسل ما أصاب من ثيابه أو من سراويله.
وأما إذا لم يكن هناك إحساس وإنما هي توهمات، فإنه لا يحتاج إلى أن يفتش نفسه، وكثير منهم يقطع الصلاة عدة مرات، ويقول: إني أحس بخروج البول، ثم إذا فتش ثيابه لم يجد رطوبة ولا غيرها.
أما إذا ابتلي -والعياذ بالله- بالسلس الذي هو جريان البول وعدم توقفه؛ فإنه يعتبر معذوراً، ولكن لا يتوضأ إلا بعد أن يدخل الوقت، وعليه أن يتحفظ بأن يجعل على فرجه شيئاً يمسك البول في وقت الصلاة؛ كالقطن أو الشاش أو نحو ذلك، إلى أن ينتهي وقت الصلاة حتى لا يلوث ثيابه، ثم بعد ذلك يغيره في الوقت الثاني أو ما أشبهه.