والأدلة من الأحاديث المذكورة واضحة، فالحديث الأول حديث أنس ذكر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها) .
وصفية هي بنت حيي بن أخطب، وهي من بني النضير من اليهود، وكان أبوها من أهل المدينة الذين أجلاهم النبي صلى الله عليه وسلم من ديارهم المذكورون في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ} [الحشر:2] ولما خرج حيي نزل في خيبر، ثم فتحت خيبر، وكان قد قتل قبل ذلك، وسبيت نساء اليهود الذين استولي عليهم، وكانت صفية من جملة السبي، فكانت من نصيب بعض الصحابة، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم، قيل: إنه أخذها قبله ثابت بن قيس بن شماس.
والحاصل: أنه اصطفاها النبي صلى الله عليه وسلم لنفسه وأصبحت ملك يمين، ولما رأى أنه قد قتل أبوها، وقتل زوجها، وقتل أحد إخوتها، وأنها مصابة رأى أن يعتقها حتى يزول ما في نفسها، ورأى أن يتزوجها وأن يجعلها كأمهات المؤمنين، وأن يحجبها كما حجب نساءه، فكان في ذلك ما تسلت به عن هذه المصيبة، فجعل عتقها صداقاً فقال: (أعتقتكِ وجعلت عتقكِ صداقكِ) فرضيت بذلك، وأصبحت إحدى زوجاته يقسم لها كما يقسم لزوجاته، وبقيت في عصمته حتى مات عنها، وهي من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
استدلوا بذلك على أنه يجوز أن يكون الصداق غير مال؛ وذلك لأنه لم يسلم لها شيئاً، إنما قيمة نفسها جعلت كصداق لها، وهذا هو مدلول هذا الحديث.