قال المؤلف رحمه الله: [عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته) .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان في بريرة ثلاث سنن: خيرت على زوجها حين عتقت، وأهدي لها لحم، فدخل عليّ رسول صلى الله عليه وسلم والبرمة على النار، فدعا بطعام فأتي بخبز وأدم من أدم البيت، فقال: ألم أر البرمة على النار فيها لحم، قالوا: بلى يا رسول الله، ذلك لحم تصدق به على بريرة، فكرهنا أن نطعمك منه، وقال: هو عليها صدقة وهو منها لنا هدية، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها: إنما الولاء لمن أعتق) ] .
قوله: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته) ، الولاء هنا: ولاء العتاقة، ورد في بعض الأحاديث: (الولاء لحمة كلحمة النسب، لا يباع ولا يوهب ولا يورث) ، والمراد به أن الرجل إذا كان يملك عبداً فأعتقه، فذلك العبد العتيق يصير مولىً لذلك المعتق، وكأنه أحد أسرته وأحد أقاربه، ينتمي إلى تلك القبيلة التي هي قبيلة المعتق، وينتسب إليهم، ويكون كأحد أفرادهم، فلا يجوز أن تباع قرابته ولا أن توهب ولا أن تورث، بل تصير منة المعتق عليه أنه يلحق بنسبه ويكون كأحد أفراد النسب، هذا المراد بالولاء.
ولهذا شبه بالنسب: (لحمة كلحمة النسب) ، والنسب لا يجوز أن يباع ولا يجوز أن يوهب، فلو أن إنساناً مثلاً من قبيلة مشهورة أراد أن يخرج عن هذه القبيلة ويقول: أنا أبرأ من هذه القبيلة، وأنا أنتسب إلى قبيلة أخرى، كما لو كان مثلاً من قبيلة تميم وأراد أن ينتسب إلى غطفان، هل يجوز له ذلك؟ لا يجوز، هل يجوز لبني تميم أن يبيعوا واحداً منهم، ويقولون: نبيعكم يا غطفان، نبيعكم يا بني حنظلة، نبيعكم يا رباب هذا الرجل الذي كان منا ويكون واحداً منكم وينتسب إليكم؟ نقول: هذا أيضاً لا يجوز.
فإذا لم يجز بيع النسب فكذلك بيع الولاء.
يقول: (نهى عن بين الولاء وهبته) البيع: أخذ العوض على المبيع، والهبة: الهدية بلا عوض أو بلا عوض مسمى.
بمعنى أنه لا يجوز للمعتق أن يقول لإنسان أجنبي: بعتك قرابتي من هذا العبد الذي أعتقته بكذا وكذا، أو أهديتك قرابتي منه أو ولايتي منه، كما لا يجوز أن يبيع أولاده، فلا يجوز أن يقول: بعتك ولدي هذا، أو قرابتي من هذا الولد، أو أهديتك قرابتي من هذا الولد، أو قرابتي من هذا الأخ أو من هذا العم، أو نحو ذلك.
كما لا يجوز للرجل أن ينتسب إلى غير أبيه، ولا يتولى غير مواليه، هكذا ورد في بعض الأحاديث: (نهى أن ينتسب الرجل إلى غير أبيه، أو يتولى غير مواليه) ، مواليه: هم الذين أعتقوه، وقد أخبر الله تعالى بأن العتق نعمة، قال الله تعالى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب:37] يعني: أن زيد بن حارثة أنعم الله عليه بالإسلام وأنعمت عليه بالعتق، فجعل إعتاقه وتحريره نعمة، فالسيد إذا أعتق عبده أصبح ذلك العبد يملك نفسه ويتصرف في نفسه، ولكن لسيده الذي أعتقه عليه الولاء، بحيث إنه يواليه وينتسب إليه وينصره، ويصير كأنه فرد من أفراد أسرته، هذا هو الولاء الذي هو ولاء العتاقة، وهو أيضاً من أسباب الميراث، يقول الرحبي: أسباب ميراث الورى ثلاثه كل يفيد ربه الوراثه وهي نكاح وولاء ونسب ما بعدهن للمواريث سبب فجعل الولاء سبباً من أسباب الإرث، ومعناه: أنه يرث عبده الذي أعتقه، إذا لم يكن للعتيق أحد من أقاربه من النسب، فإنه يرثه حينئذٍ معتقه أو عصبة معتقه من الرجال، فإذا مات هذا العتيق فإن كان له أولاد أو إخوة أو أعمام أو بنو عم ورثوه، فإذا لم يكن له أحد من هؤلاء فلمن يكون ماله؟ يكون لمعتقه.
المعتق: هو الذي أنعم عليه فهو أحق بتركته يرثه كما يرث بالنسب؛ لأجل أن النبي صلى الله عليه وسلم شبهه بالنسب: (الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب) .