ثم هذا الحديث محمول على ما إذا لم يكن هناك أسباب لعطية بعض الأولاد وقت حاجتهم، فأما إذا كان هناك أسباب فإنها جائزة، ومعلوم مثلاً أن الوالد ينفق على أولاده بقدر حاجتهم، ويشتري لهم بقدر حاجتهم ولو تفاوتت الحاجات.
ومعلوم وجود التفاوت بين الحاجات تفاوتاً مشهوراً ظاهراً، فإذا كان له عدد من الأولاد ذكوراً وإناثا، فحاجات الذكور غير حاجات الإناث، فحاجة الذكر مثلاً أنه يمكنه من الدراسة، ويعطيه ما يحتاج إليه في الدراسة، فإذا احتاج مثلاً إلى سيارةٍ يتنقل عليها ويذهب عليها إلى مدرسته أو جامعته، أعطاه سيارة، وكذلك إذا احتاج إلى زواج زوجه ولو كان إخوته أطفالاً؛ لأن هذا من الحاجات الضرورية، فإذا احتاج مثلاً إلى سكن أسكنه في مكان أو بيت يناسبه إذا كان قادراً؛ لأن هذا من حقه عليه، والوالد عادة إنما يجمع أمواله لأولاده؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (إنك أن تذر ورثتك أغنياء، خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) .
فالولد مثلاً إذا احتاج إلى النفقة وكان فقيراً، فإن الوالد ينفق عليه ولو كان الولد قادراً على الاكتساب، فإذا عجز عن الاكتساب بأن لم يجد عملاً، أو مثلاً كان منشغلاً بدراسةٍ ونحوها، وكان الأب واجداً وذا مال ألزم بأن ينفق عليه، فإذا كان أحد أولاده مستغنياً في وظيفةٍ وعمل، والآخرون غير مستغنين أنفق على المحتاجين دون غيرهم، ولا يكون هذا جوراً.
وإذا كان هذا مضطراً إلى سيارة يتنقل عليها أعطاه ولم يعط الآخرين لصغرهم مثلاً أو لعدم حاجتهم، وإذا كان هذا مضطراً إلى الزواج زوجه، ولو لم يزوج الآخرين إما لعدم طلبهم، أو لصغرهم، وذلك لأن هذا من تمام حق الولد على أبيه وله في مال أبيه حق.
كذلك معلوم أن الذكر والأنثى يتفاوتان في الحاجة، فمثلاً هو ملزم بكسوة الذكور والإناث، ومعلوم مثلاً أنهم يتفاوتون، فقد تكون كسوة الأنثى بمائتين وكسوة الذكر مثلاً بخمسين أو نحوها، فهذا وجه التفاوت، والأنثى مثلاً بحاجة إلى الحلي وإلى الجمال، فله أن يعطيها كغيرها ما تتجمل به من الحلي ولو كان رفيع الثمن، وليس الذكر بحاجةٍ إلى ذلك.
وهكذا مثلاً إذا مرض أحد أولاده فإنه يعالجه ولو صرف عليه أموالاً طائلة، ولا يقال: أعط أولادك الآخرين مثلما أنفقت عليه؛ لأنه ما أنفق عليه إلا لحاجته أو لضرورته، فهذا من الأسباب التي تستثنى من ذلك.