نعود إلى القصة: هذه القصة فيها أن النعمان بن بشير بن سعد الأنصاري ذكر أن أباه بشير بن سعد أعطاه عطية، وفي بعض الروايات: أنه نحله عبداً يعني: مملوكاً، وفي بعض الروايات أطلق وقال: نحلني نحلةً، أو: أعطاني عطية.
ولم يسمها.
وكانت أمه عمرة بنت رواحة، وهي أخت عبد الله بن رواحة؛ كانت تحب ولدها النعمان، فأحبت أن يثبت هذا العطاء، وأن لا يكون فيه إنكار، فقالت: لا أرضى حتى تشهد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي: حتى يثبت إذا شهد به ويقره، ولا يمكن أن ينكر بعد ذلك.
ففعل ذلك بشير بن سعد فذهب بولده، ولما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأخبره بأنه نحل ابنه عطية، وأن أم الابن أرادت أن تشهد على هذه العطية، فلسان حاله يقول: أتيتك لأشهدك على نحلة ابني وعلى عطيته، ولما كان في هذا شيء من الجور وعدم التسوية، استفصل النبي صلى الله عليه وسلم وسأل بشيراً: هل لك أولاد غير النعمان؟ فأخبره بأن له أولاداً ذكوراً وإناثاً، فسأله: هل نحلتهم مثلما نحلت هذا؟ أو خصصت هذا بالعطية وحده؟ فأخبر بأنه لم ينحلهم وإنما نحل هذا، وأن هذه العطية خاصة بـ النعمان! وعند ذلك أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال: (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) ، أي: ليحملكم خوف الله وتحملكم التقوى على أن تعدلوا وتسووا بين أولادكم، ولا تجوروا فتميلوا مع واحدٍ ميلاً يفهم منه تفضيلكم له على غيره، بل عليكم أن تسووا بينهم ولا تفضلوا واحداً على واحد.
كذلك في بعض الروايات أنه قال: (أشهد على هذا غيري) ، أي: إن هذا جور وظلم، فلا أشهد على الظلم ولا أشهد على الجور، فاذهب إلى غيري، وأشهد عليه غيري، فإني لا أشهد عليه، وليس معناه إقرار الشهادة من الغير، بل معناه التحذير منه، فلأجل ذلك التزم بشير ورد تلك العطية لما نهاه النبي صلى الله عليه وسلم، وفي بعض الروايات أنه علل فقال: (أتحب أن يكونوا لك في البر سواء؟ فقال: نعم، فقال: فلا إذاً) أي: ما دمت تحب أن يبروك كلهم ويطيعوك، فلماذا لا تجعلهم كلهم سواء في برك وفي طاعتك، فسو بينهم في عطيتك، حتى يستوي كلهم في طاعتك وفي برك، هكذا علل صلى الله عليه وسلم!