يجوز وقف الكتب التي ينتفع بها، ووقفها من الصدقات الجارية؛ وذلك لأنها باقية ينتفع بها من يقرأ فيها أو يسمع منها أو نحو ذلك مع بقاء عينها، فلذلك اعتبرت من الأعمال الخيرية التي يجري أجرها لمن سبلها، ويقال كذلك في كل الأشياء التي يمكن أن ينتفع بها.
كانوا في قديم الزمان يوقفون الأجهزة التي ينتفع بها في المنافع العامة أو الخاصة، فيوقف مثلاً الإنسان الأسلحة التي يقاتل بها في سبيل الله، ويرجو بذلك الأجر من الله، ومنهم خالد بن الوليد رضي الله عنه، يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم لما قيل إنه منع الزكاة: (أما خالد فإنكم تظلمون خالداً، لقد حبّس عتاده -وفي رواية: وأعبده- وسلاحه في سبيل الله) ، كان عنده أسلحة فقالوا له: أعطنا زكاة هذه الدروع وزكاة هذه الرماح وزكاة هذه السيوف وزكاة هذه الخناجر ونحوها، فامتنع وقال: هذه في سبيل الله، إذا غزونا أعطيت كل سيفٍ أو كل رمحٍ أو كل قوسٍ من يقاتل به، فتصبح كأنها غير مملوكة له، ولو كانت في بيته، فلذلك كان يريد أجرها، فهذه مما ينتفع بها مع بقاء عينها.
كذلك أيضاً كانوا يوقفون العتاد لمن يحج إذا كان عاجزاً عن الحج، فيركبونه على الفرس أو على الراحلة من الإبل أو نحوها، ويقولون: هذه الراحلة أو هذا البعير مسبلٌ للمجاهدين أو للحجاج، وكذلك: هذه الرحال التي كانوا يجعلونها على ظهور الإبل والركائب يسبلونها أيضاً لمن ينتفع بها، وكذلك أيضاً الأشياء التي يحتاج إليها في البلد كانوا يوقفونها، ولا يزال موجوداً في هذا البلد أشياء موقوفة، وإن كان قد قل الانتفاع بها، فيوجد عند القدماء من أهل البلد قدورٌ مسبلةٌ لمن يطبخ فيها مثلاً، أو أرحية لم يطحن عليها، أو أسلحةٌ لمن يحتاج إليها، أو ما أشبه ذلك، فهذه من الأوقاف.
وتجددت أشياء وقامت مقامها، وأصبح يمكن إيقافها، ويمكن تسبيلها، فمثلاً بدل ما كانوا يوقفون القربة أصبحوا يوقفون البرادات ونحوها مما يقوم مقامها في كونها يحصل بها تبريد المياه لمن يشرب، بدل ما يشرب ماءً حاراً.
كذلك بدل ما كانوا يوقفون المراوح اليدوية أصبحوا يوقفون مراوح كهربائية أو مكيفات أو ما أشبهها مما يحصل به الكفاية، ويحصل لمن أوقفها الأجر، والأجهزة كلها فيه أجر، حتى مثلاً هذه الطاولة الذي أوقفها له عليها أجرٌ، وهذه الأجهزة المكبرة ونحوها الذي أوقفها له أجرٌ، وهذه الفرش في هذه المساجد وهذه الأدوار ونحوها الذي أوقفها يحتسب في ذلك الأجر، ويجري عليه أجرها ما دام ينتفع بها.
المدارس الخيرية التي يدرس فيها القرآن ونحوه، ويوقف فيها المصاحف والرسائل ونحوها، ولا شك أيضاً أن فيها أجراً، حيث إنه ينتفع بها، ويلحق بذلك الرسائل والأشرطة الإسلامية إذا سبلها الإنسان، فله أجرٌ ما دام ينتفع بها.