عادةً أن الأرض المزروعة مثلاً أو الدكان المشترك إذا كان بين اثنين أو ثلاثة أو نحوهم، فإن التصرف لا يكون متوافقاً غالباً، بل يكون هذا له نظر، وهذا له نظرٌ، فتختلف آراؤهم، وتختلف وجهاتهم، وكل منهم يزعم أن نظره هو السديد، وأن رأيه هو الصواب، فيختلفون عند ذلك، ويتمنى كل واحد منهم أن يكون بعيداً عن هذه المشاركة، وأن يكون مستقلاً بملك يتصرف فيه التصرف التام بحيث لا يعقبه أحدٌ.
وقد ذكر الله عادة الشركاء فقال تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} [ص:24] يعني: عادةً أن الخلطاء بعضهم يعترض على البعض وينتقده لشيء من تصرفه، وهذا الانتقاد يسيء إليه؛ لأنه يحب أن تكون إشارته ونظره وتصرفه ليس فيها ما ينتقد، فلأجل ذلك شرعت الشفعة؛ لإزالة ضرر المشاركة وضرر المخالطة عن الشريك، هذا هو السبب في شرعيتها.
ومعلومٌ أن الشراكة قد يكون فيها خير، وأن الشركاء قد يعملون ما لا يعمله الأفراد، وقد يعجز الإنسان بمفرده فيحتاج إلى من يشاركه في أمر من الأمور، فإذا أراد مثلاً زرعاً ولم يستطع أن يشتري الأدوات ولا يشتري الأرض الزراعية، فيحتاج أن يشاركه فلانٌ وفلان حتى يجتمع من رأس مالهما ما يكونان قادرين معه على شراء المعدات والأدوات الزراعية التي ينتجون منها، بخلاف ما لو كان واحداً.
ثم بعد ذلك قد ينتقد بعضهم بعضاً في التصرف، فيؤدي ذلك إلى أنهم إما أن يقتسموا، وإما أن يبيع بعضهم سهمه على شركائه، وإما أن يبيع على غيرهم، فإذا باع سهمه على غيرهم فإنهم أحق به بثمنه، وهو ما يسمى بالشفعة.