اختلف هل يجوز الرهن في الحضر أو لا يجوز؟ وذلك لأن الآية الكريمة قيدته بالسفر، قال سبحانه وتعالى: {وَإِنْ كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ} [البقرة:283] ، فقال: بعضهم لا يجوز الرهن في الحضر، ويجوز الكتاب، والكتابة وثيقة تكفي عن الرهن.
والصحيح أنه يجوز في الحضر كما يجوز في السفر، فإن في هذا الحديث: (أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى طعاماً من يهودي ورهنه درعاً له) ، وفي بعض الروايات: (توفي ودرعه مرهونة عند يهوديٍ بطعام اشتراه لأهله) ، وهذا الحديث ثابت في الصحيحين، ولو قلت: لماذا لم يجد النبي صلى الله عليه وسلم من يقرضه؟ فنقول: النبي صلى الله عليه وسلم محبوب عند الصحابة، ولو طلب منهم أموالهم لأعطوه ولبذلوا له ما في إمكانهم، ولكنه لا يحب أن يضايقهم، ولا يحب أن يكون على أحد منهم شيء من المضايقة أو نحوها، فعدل إلى الشراء من يهودي، وقد يكون ذلك اليهودي من يهود خيبر، أو من يهود فدك أو نحو ذلك، وقد يكون أيضاً من يهود المدينة قبل إجلائهم.
والحاصل: أنه اشترى من هذا اليهودي طعاماً لأهله، ورهنه درعاً، ومعلوم أن هذا كان في المدينة، والمدينة أهلها حضر، ولم يكن على سفر، فدل على أنه -كما يجوز الرهن في السفر- يجوز في الحضر؛ وذلك لوجود العلة، فإن العلة هي الوثيقة، أي: كونه يجعل هذا الدين وثيقة يتوثق بها صاحبها حتى إذا حل وجد ما يؤمِّن له رد ثمنه أو رد دينه إليه.