ذكر العلماء أن ربا الفضل ورد في ستة أشياء: الذهب، والفضة، والبر، والشعير، والتمر، والملح، هكذا ورد في حديث عبادة، ومعناه: أنه لا يجوز أن يباع صاع بر بصاعين، أو صاع تمر بصاعي تمر، ولو كان يداً بيد؛ وذلك لأنه فيه ربا، والربا هنا: هو الزيادة، فهذا صاع بصاعين، وقد نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، كما جاء عنه أنه: (أرسل مرة بلالاً ليأتيه بتمر من تمر خيبر، فجاءه بتمر جنيب -يعني: جيد-وقال: إنا نأخذ الصاع من هذا بالصاعين، والصاعين بالثلاثة -نشتري صاعاً جيداً بصاعين رديئين- فقال: هذا عين الربا، إذا أردت أن تشتري من الطيب فبع التمر الذي معك -التمر الرديء- بدراهم واشتر بالدراهم تمراً جنيباً) ، وكذلك سائر أنواع الربويات، فإذا كان عندك -مثلاً- بر رديء وتريد برأ طيباً فبع الرديء بدراهم، ثم تشتري بالدراهم جيداً.
ويلحق به أيضاً كل المكيلات، فالأرز مثلاً يختلف، فقد يكون عندك أرز رديء وأنت بحاجة إلى أرز جيد، فتبيع الرديء بدراهم، وتشتري بالدراهم من الذي تريده.
ومثله التمر، لا يجوز أن تبيع صاعاً من تمر بصاعين، ولا كيلو بكيلوين.
ومثله الزبيب، لا يجوز أن تبيع زبيباً كيلو بكيلوين.
وهكذا المكيلات كلها: الذرة، والدخن، والعدس، والفول، والبن، والقرنفل، والهيل، وما أشبهها، لا يجوز أن يباع منها شيء إلا مثلاً بمثل، وإن كان الناس لا يتعاملون بذلك عادة، لكن ينهى عن ذلك.
مثلاً: الإنسان قد يكون عنده كيلو من الهيل الرديء، وهناك أناس آخرون يريدونه لأنه أرخص، فيقولون: أعطنا هذا الكيس الرديء بنصف كيس جيد، فيقال: لا، وإنما بعه بدراهم واشتر بالدراهم من الجيد الذي تريده.
وهكذا كل شيء يوزن ويباع بالوزن، مثل: اللحوم، والحديد، والقطن، والموزونات الأخرى بأنواعها، فلا شك أن فيها علة الربا، فيقال: كل شيء يكال فإنه لا يباع إلا مثلاً بمثل، وكل شيء يباع وزناًَ فإنه لا يباع إلا مثلاً بمثل، وأما الذي لا يكال ولا يوزن كالأقمشة، فهذه لا بأس بها، فيجوز أن تبيع ثوباً بثوبين.
وكذلك الذي يباع بالعدد، كالخضار التي تباع بالعدد، كالقرع والبطيخ، يجوز أن تبيع واحدة باثنتين أو بثلاث؛ وذلك لأنه ليس بمكيل ولا بموزون؛ ولأنه يتسامح فيه.
وورد مثل ذلك أيضاً في بيع الحيوان، ورد أنه يجوز أن تبيع شاة بشاتين؛ لأنها قد تتفاوت، ولا يكون ذلك ربا.
فالحاصل: أن هذه العلة، وهي: كون الشيء يكال أو يوزن أصلاً لا يجوز بيع جنسه بجنسه إلا يداً بيد، ومثلاً بمثل، أما إذا بيع بغير جنسه فيشترط فيه التقابض، لقوله صلى الله عليه وسلم: (فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) فإذا بعت تمراً بزبيب جاز التفاوت ولزم التقابض، فتقول مثلاً: بعتك كيلو زبيب بثلاثة كيلو تمر، لكن هاء وهاء؛ يعني: خذ وأعط، وهذا هو معنى قوله: (هاء وهاء) يعني: حاضر بحاضر، فلا يباع غائب بناجز، وكذلك مثلاً: بر برز، يجوز أن يباع صاع بصاعين، وكذلك بر بشعير، يجوز أن يباع صاع بصاعين، ولكن لابد أن يكونا حالين حاضرين (هاء وهاء) حتى لا يكون في البيع ربا النساء الذي هو التأخير.
فنتفطن لهذا؛ حتى لا نقع فيه ونحن لا نشعر.