لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة بحكم شحوم الميتة أخبرهم بفعل اليهود في احتيالهم على أكل الحرام، فقد حرم الله على اليهود بعض الشحوم وبعض اللحوم، فحرم عليهم كل ذي ظفر، وهو الإبل، فحرام عليهم أكل لحمها وشرب لبنها أو شرب مرقها أو الادهان بدهنها، وكذلك ما يشبهها في الخلقة كالنعام لا يأكلونه.
وحرم عليهم من شحوم البقر والغنم شحم الثربة وشحم الكليتين وشحم القلب ونحوها، قال تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} أي: خف، {وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ} [الأنعام:146] ، فأباح لهم شحم الظهر، وأباح لهم شحم الإلية؛ لأنه مختلط بعظم، وأباح لهم شحم الحوايا التي هي شحم الأمعاء، وحرم عليهم بقية الشحوم التي في البطن، وشحم الكلية وما أشبه ذلك، ولما حرمت عليهم هذه الشحوم، وكذلك شحوم الإبل، احتالوا فأذابوها؛ فصاروا يجمعون هذا الشحم ثم يذيبونه حتى يذوب على النار، ثم يبيعونه على العرب الذين هو مباح لهم، ويأكلون ثمنه، وهذه حيلة إلى أكل ما هو حرام، فإن الله لما حرم الثمن حرم الأكل، فكان مما يتبع ذلك تحريم الثمن، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أمته عن مثل هذه الحيلة.
وورد في حديث قوله صلى الله عليه وسلم: (لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود فتستحلوا محارم الله بأدنى الحيل) ، والحيلة كونه يأتي الحرام من جهة وهو يعلم أنه حرام، فيقول: ما أتيته من الجهة التي هو حرام فيها، وإنما من جهة أخرى، مثل حيلة أصحاب السبت، لما حرم الله عليهم صيد السمك في يوم السبت، وابتلاهم بأن كانت الأسماك تخرج في ذلك اليوم، وإذا كان في يوم الأحد غابت عنهم واختفت في البحر، فأهمهم ذلك، كيف أنها لا تخرج إلا في اليوم الذي منعوا من الصيد فيه؟ فاحتالوا بأن نصبوا شباكهم في يوم جمعة، فإذا خرجت يوم السبت أمسكتها الشباك، ثم يأخذونها في يوم الأحد، فأصبحوا يمسكونها في يوم السبت بأن تمسكها لهم شبكاتهم، فعاقبهم الله بالعقوبة التي ذكرها في القرآن في قوله تعالى: {فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ} [الأعراف:166] .
والحاصل أن الحيل نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، أي: كون الإنسان يحتال فيقول: هذا الشيء حرام علي أكله، وما دام أن هناك من يأكله، فلماذا لا أبيعه عليه وآكل ثمنه؟ وقد سمعت أن هناك من يستحل أكل الكلاب من هؤلاء النصارى من بلاد الفلبين ونحوهم، فهم يستحلون أكل الكلاب، يقتنصونها ويقتلونها ثم يأكلونها، وكذلك يأكلون السنانير (القطط) ، وكأنها عندهم شيء معتاد ونظيف لا محذور فيه، وبعض الشباب أو بعض الصبيان قد يجلبون إليهم في محلهم القطط ونحوها، ويعوضونهم عليها، ولا شك أن هذا حرام، ولو كان أولئك أطفالاً لم يبلغوا، ولكن على أوليائهم إذا عرفوا ذلك أن ينهوهم عن مثل ذلك وأن يخبروهم بحرمته.
وعلى كل حال لا تجوز المساعدة على أكل شيء محرم بأي نوع من أنواع الإعانات والمساعدات.