المسألة الثانية: بيع حاضر لباد، وفسره ابن عباس بأن يكون له سمساراً، والسمسار هو الذي يسمى الدلال الذي يبيع السلع للناس، والمعنى أنه لا يجوز له أن يتقبل البوادي، وغالباً هم الأعراب، فقال: (لا يبع حاضر لباد) ، فالحاضر هو صاحب البلد، والبادي هو صاحب البادية، والحكم معلق بكل من كان خارج البلد جاهلاً بالسعر، فإذا جاء صاحب السلع سواء كان بدوياً أو قروياً، فجاء بسلع يريد أن يبيعها، فيبيع المواشي، أو يبيع هذا الطعام، أو يبيع الأدهان التي معه أو السلع، فجاء لقصد بيعها لا لقصد خزنها، فإنه لو قصد أن يخزنها فجئته وأمرته أن يبيعها فقد نفعت الناس، أما إذا جاء لقصد أن يبيعها، وكان جاهلاً بالسعر، لا يدري بأسعار الناس، ولا ما هم فيه -فإنه إن كان عالماً فلا يزيده صاحب البلد شيئاً ليس عنده- وكان عازماً على أن يبيعها في حالها لا يتأنى بها، وكان أهل البلد بحاجة إلى هذا الطعام، أو بحاجة إلى هذا الدهن، أو هذا الأقط، أو بحاجة إلى هذه المواشي؛ لذبحها أو للبنها أو ما أشبه ذلك، بخلاف ما إذا كانت البلد مستغنية عنها، أو كان يوجد أمثالها كثير.
فالحاصل أنه إذا اجتمع كونه جاهلاً، وكونه جاء بها ليبيعها، وكونه عازماً على بيعها بسعر يومها، وكون الحاضر هو الذي جاء إليه أو تلقاه، وكون الناس بحاجة إليها؛ ففي هذه الحال لا يكون له سمساراً، فلا يقل: أعطني سلعك، أنا صاحب البلد أبيعها بتأنّ، حتى تربح فيها أكثر، فينفعه ويضر الناس، بل يقول في الحديث: (دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض) ، فيتركه ليبيعها كما يشاء، فهذا هو الأصل في بيع حاضر لباد.