قال المصنف رحمه الله: [باب دخول الخلاء والاستطابة: عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء قال: اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث) ، وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أتيتم الغائط فلا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها، ولكن شرقوا أو غربوا، قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله عز وجل) ] .
هذا الباب من تمام الطهارة، يعقده العلماء في مؤلفاتهم لمسيس الحاجة إليه، ولو كان شيئاً طبيعياً عادياً، ولو كان شيئاً مما يستحيا من ذكره، ولكن لا حياء في الدين، والله عز وجل لا يستحي من الحق، وهذا الباب يتعلق به أحكام وأدعية لابد من معرفتها؛ فلأجل ذلك بينه الرسول صلى الله عليه وسلم لأصحابه وعلمهم كيفية ذلك.
وثبت في صحيح مسلم: أن اليهود قالوا لـ سلمان الفارسي: (علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة -يعني: حتى ما تفعلونه عند التخلي- فقال: نعم، والله لقد نهانا أن نستقبل القبلة ببول أو غائط، ونهانا أن نستنجي باليمين، وأن نستجمر بها، وأن نمس عوراتنا باليمين، وأن نستنجي بأقل من ثلاثة أحجار) ، فبين لهم صحة ما قالوا وأن في ذلك علماً وفائدة.
فالأحكام التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب كلها ذات أهمية، وكذلك الأدعية التي يدعى بها.
كذلك أيضاً نقول: إن الله علم نبيه صلى الله عليه وسلم ونبيه علم أمته، وهذه التعاليم تعاليم لها أهميتها.
فمنها ما يتعلق بالأدعية التي فيها حفظ الإنسان من الشرور.
ومنها ما يتعلق بالآداب التي فيها حفظ للإنسان من النجاسة.
ومنها ما يتعلق بالأحكام التي فيها الامتثال وتعظيم حرمات الله عز وجل.
فهذا الحديث الأول يتعلق بالأدعية.
وقد ثبت في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن هذه الحشوش محتضرة) ، (محتضرة) يعني: تحضرها الشياطين، فأمر بأن يتحصن الإنسان من الشياطين بذكر الله، ومعلوم أن الشياطين تألف الأماكن المستقذرة، وتألف الأماكن النجسة، فإذا لم يتحفظ الإنسان من الشياطين عبثت به، وورد أيضاً في بعض الأحاديث أن الشياطين تلعب بمقاعد بني آدم، فإذا لم يتحفظ منها ولم يتحصن منها عبثت به فأوقعته في نجاسة أو في خبث حسي أو معنوي، والحسي يتمثل بأن يتقذر بالنجاسة ولا يبالي، وأما معنوي فبأن يوسوس ويتوهم ويقع في وساوس شيطانية تدوم معه، فلأجل ذلك أمر بالاستعاذة وبذكر اسم الله تعالى.