قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه: [باب التمتع عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي رضي الله عنه قال: (سألت ابن عباس عن المتعة فأمرني بها، وسألته عن الهدي فقال: فيها جزور أو بقرة أو شاة أو شرك في دم.
قال: وكأن أناساً كرهوها، فنمت فرأيت في المنام وكأن إنساناً ينادي: حج مبرور ومتعة متقبلة.
فأتيت ابن عباس فحدثته فقال: الله أكبر! سنة أبي القاسم صلى الله عليه وسلم) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (تمتع رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج، وأهدى فساق معه الهدي من ذي الحليفة، وبدأ رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة، ثم أهل بالحج، فتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأهل بالعمرة إلى الحج، فكان من الناس من أهدى فساق الهدي من ذي الحليفة، ومنهم من لم يهدِ، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم مكة قال للناس: من كان منكم قد أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه، ومن لم يكن منكم أهدى فليطف بالبيت وبالصفا والمروة، وليقصر وليحلل، ثم ليهل بالحج وليهدِ، ومن لم يجد هدياً فليصم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.
فطاف رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قدم إلى مكة واستلم الركن أول شيء، ثم خب ثلاثة أشواط من السبعة، ومشى أربعة، وركع حين قضى طوافه بالبيت عند المقام ركعتين، ثم سلم فانصرف فأتى الصفا، وطاف بين الصفا والمروة سبعة أشواط، ثم لم يحل من شيء حرم منه حتى قضى حجه ونحر هديه يوم النحر وأفاض وطاف بالبيت، ثم حل من كل شيء حرم منه، وفعل مثلما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهدى فساق الهدي من الناس) ] .
الأنساك في الحج ثلاثة: التمتع، والإفراد، والقران.
وهذا التفريق والتقسيم اصطلاحي من الفقهاء، وإلا فهي في الحقيقة اثنان: تمتع، وإفراد.
فالإفراد: أن يحرم بالحج فقط، ولا يجعل معه عمرة.
وأما التمتع فهو أن يأتي بعمرة إما مع حجه مقترنة به -وهو القران- وإما منفصلة عنه، يأتي بها قبل الحج ويفرغ منها، هذا هو التمتع، وسمي تمتعاً لأن فيه انتفاعاً، والانتفاع هو أنه سافر سفراً واحداً حصل فيه على نسكين: نسك حج ونسك عمرة، فحصل فيه على الحج والعمرة جميعاً بسفر واحد، وقد كانوا قبل الإسلام يسافرون للحج في شهر الحج، ويسافرون للعمرة في نصف العام في شهر رجب، فيأتون بنسكين في سفرين، فلما جاء الإسلام أباح لهم أن يجمعوهما في سفر واحد يقضي فيه حجاً وعمرة تخفيفاً عليهم حتى لا تكون هناك مشقة، ولكن إذا تمتعوا واكتفوا بسفر واحد كان من جبران ذلك أن يهدوا هدياً، فسبب الهدي هو جبر ذلك النقص، ما دام أنه في سفر واحد حصل له نسكان كان عليه جبر ذلك بأن يأتي بهذا الهدي، أو يصوم عشرة أيام، ثلاثة في الحج وسبعة إذا رجع، هذا هو نسك التمتع.