المواقيت المكانية حكمها أنه لا يمر عليها أحد قاصداً مكة يريد الحج أو يريد العمرة إلا ويحرم منها، ويلزمه أن يحرم من هذه المواقيت، أما إذا قصد مكة لا لقصد الحج ولا لقصد العمرة وإنما لزيارة -مثلاً- أو لقضاء شغل عرض له أو نحو ذلك فإنه لا يلزمه؛ لأن الرسول قال: (ممن أراد الحج والعمرة) ، أما إذا مر وهو لا يريد الحج وإنما يريد الزيارة لأقارب له أو نحو ذلك، أو كان عابر سبيل يمر على مكة -مثلاً- ويتجاوزها إلى جدة فإنه لا يحرم ولا يلزمه إحرام.
وفي هذه الأزمنة جاءت المراكب الجوية، وهي هذه الطائرات لا تمر مروراً دقيقاً بهذه المواقيت بحيث تنزل عندها ونحو ذلك، ولكنها تحاذيها في الجو، فيلزم الإنسان الذي يركب الطائرة أن يحرم عند هذا الميقات، وإن احتاط وأحرم قبله فهو أولى وأفضل، ولا يجوز أن يؤخر الإحرام إلى أن ينزل بجدة؛ فإن جدة دون المواقيت، فجدة إنما هي ميقات لأهل جدة، فأما أهل الرياض -مثلاً- وأهل الشرقية وأهل الحدود الشمالية الذين يركبون في الطائرات فلابد أن يحرموا إذا حاذوا الميقات الذي يمرون به، فإن كانوا في جهة الشمال فإذا حاذوا ميقات أهل المدينة أحرموا، وإن كانوا من جهة الشرق فإذا حاذوا ميقات أهل نجد إما قرن المنازل وإما ذات عرق أحرموا، ويجب الانتباه، فإن كثيراً منهم يغفلون، ولا يشعر أحدهم إلا وقد وقعت الطائرة وهو لم يحرم، فيحرمون من جدة ويقعون في مجاوزة الميقات، ومن جاوز الميقات وهو عازم على الإحرام وأحرم بعدما جاوزه فقد ترك نسكاً، فيكون عليه دم.
فنقول للذين لا يحرمون إلا من جدة: عليكم دم عن مجاوزة الميقات.
أما إذا نزل جدة وهو لم يحرم، وركب سيارة ورجع إلى السيل وأحرم منه فإنه يسقط عنه الدم، وذلك لأنه ما أحرم إلا من الميقات.
أما إذا أحرم من جدة فلا ينفعه الرجوع، فلو رجع وهو محرم لا يفيده ولا يسقط عنه الدم.
وعلى كل حال فينتبه لمثل هذا.
وكثير من الراكبين يقولون: إنه اعترتنا غفلة، أو إن قائد الطائرة لم ينبهنا على محاذاة الميقات، أو غفلنا حتى نزلنا في جدة أو حتى تجاوزنا الميقات.
فنقول: قد أخطأتم، فعلى الذي يريد الإحرام أن يكون مستعداً، حتى لو أحرم وهو في الرياض، فلو لبس إحرامه ونوى ولبى وهو في الرياض لا يضره، فزيادة ساعة أو نصف ساعة يحرمها لا يضره، ويسقط عنه الدم، ولا تضره الزيادة، فالزيادة خير من النقص، فهي من باب الاحتياط ومن باب أخذ الحذر.
ولا يغتر بمن أفتى أن جدة ميقات للذين يركبون في الطائرات؛ فإن تلك فتوى خاطئة.
ويمكن أن تكون جدة ميقاتاً للذين يأتون من السودان أو مما يحاذي جدة من جهة المغرب، فبلاد السودان أو ما يحاذيها لا يمرون بشيء من المواقيت إذا جاءوا في الطائرة أو جاءوا -مثلاً- في الباخرة، فنقول لهم: ميقاتكم جدة، أما الذين يجيئون من مصر أو من الشام أو نحوهم فإنهم يمرون على مواقيت قبل جدة، فيمرون على الجحفة، أو يمرون على ميقات أهل المدينة ذي الحليفة، فلا يجوز لهم أن يتجاوزوا مواقيتهم إلا بإحرام، فيتفطن لذلك حتى يحتاط الإنسان، وحتى لا يقع في مجاوزة الحد فيلزم بدم، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.