في الحديث بعده وفي حديث أبي سعيد أنه حث على أن تلتمس في الوتر من العشر الأواخر، قال: (فإن غلب أحدكم فلا يغلبن على السبع الأواخر) .
والوتر هي الليالي الأوتار، فليلة إحدى وعشرين وتر، وليلة ثلاث وعشرين، وليلة خمس وعشرين، وليلة سبع وعشرين، وليلة تسع وعشرين هذه الليالي الوتر، والوتر هو العدد الفرد الذي فيه زيادة فرد، والشفع هو الاثنان، فليلة اثنتين وعشرين شفع، وليلة أربع وعشرين شفع، وليلة ست وعشرين، وليلة ثمان وعشرين وليلة ثلاثين، هذه تسمى ليالي الشفع، ومعروف بأن العدد ينقسم إلى شفع ووتر، كما في قوله تعالى: {وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ} [الفجر:3] .
فعرفنا بذلك أن هذه الليلة تترجح أنها في الوتر، ولكن لا ندري هل المراد الوتر مما بقي أو الوتر مما مضى، وحينئذ يكون ذلك حثاً على قيام العشر كلها، فالوتر مما مضى أن تكون ليلة إحدى وعشرين وثلاث وعشرين وخمس وعشرين وسبع وعشرين وتسع وعشرين، فهذا الوتر بالنسبة للماضي، والوتر بالنسبة للباقي هو ما ورد في الحديث: (التمسوها في تاسعة تبقى، في سابعة تبقى، في خامسة تبقى، في ثالثة تبقى، في آخر ليلة) ، فهذا وتر، وقوله: (تاسعة تبقى) إذا كان الشهر كاملاً فهي ليلة ثنتين وعشرين، فهذه (التاسعة الباقية) وهكذا، فيكون ذلك حثاً على الاجتهاد في هذه الليالي كلها، أعني ليالي العشر.
ولا شك أن الحرص على قيام هذه الليالي حرص على كثرة الأعمال، والإنسان يحب أن يعمل عملاً كثيراً يثاب عليه، والعمل الذي يعمله في هذه الليلة هو العبادة، الصلاة مع طول القيام ومع الخشوع والخضوع، وثبت في الحديث أن عائشة قالت: يا رسول الله! إن وافقت ليلة القدر ما أقول؟ فقال: (قولي: اللهم! إنك عفو تحب العفو فاعف عني) أمرها بأن تطلب العفو، والعفو هو التجاوز عن الخطأ، كأنه أمرها بأن تعترف بأنها مقصرة وليس لها مطلب إلا العفو، وهكذا سائر العباد، فالعبد عليه أن يحتقر عمله ولو كان كثيراً، فيكون منتهى طلبه المغفرة والعفو عن الخطأ وعن التقصير، فهذا مطلب من المطالب التي تطلب في ليلة القدر، والدعاء فيها مرجو أن يستجاب، وكذلك كثرة الذكر وكثرة القراءة وطول القيام وما أشبه ذلك، فإذا أدام العبد ذلك رجي أن يثيبه الله وأن تحصل له المغفرة التي رتبت على تلك الأعمال، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.