قال المؤلف رحمه الله تعالى: [عن محمد بن عباد بن جعفر قال: (سألت جابر بن عبد الله: أنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الجمعة؟ قال: نعم.
وزاد مسلم: ورب الكعبة) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوماً قبله أو يوماً بعده) .
وعن أبي عبيد مولى ابن أزهر -واسمه سعد بن عبيد - قال: (شهدت العيد مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: هذان يومان نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما: يوم فطركم من صيامكم، واليوم الآخر الذي تأكلون فيه من نسككم) .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يومين: النحر والفطر، وعن اشتمال الصماء، وأن يحتبي الرجل في الثوب الواحد، وعن الصلاة بعد الصبح والعصر) أخرجه مسلم بتمامه، وأخرج البخاري الصوم فقط.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صام يوماً في سبيل الله بعد الله وجهه عن النار سبعين خريفاً) ] .
هذه أحاديث تتعلق بصيام التطوع، أي: ما يصح صومه وما لا يجوز صومه، فالحديثان الأولان في حكم صوم يوم الجمعة، وقد يجب صوم يوم الجمعة كما إذا كان في أيام رمضان، ففي شهر رمضان تقع عدة أيام جمعاً أربع أو خمس جمع، ويصومها المسلمون ولا يفطرونها، وذلك لأنها في وسط الشهر الذي أمروا بصيامه، وكذلك إذا كان الإنسان يسرد الصوم، فإنه إذا مر به يوم الجمعة في أثناء صيامه فإنه يصومه، وكذلك إذا كان يخصه أو ناسب له لموجب أو لسبب فإنه يصومه.
مثاله: إذا كان الإنسان يصوم يوماً ويفطر يوماً كصوم داود، ووافق أنه أفطر يوم الخميس وصام يوم الجمعة، وأفطر يوم السبت وصام يوم الأحد، وأفطر يوم الإثنين وصام يوم الثلاثاء، وهكذا، ففي هذا يكون قد صام يوم الجمعة مع فطره لليومين الذي قبله والذي بعده، ولكن قصد بذلك أن يتبع، فيصوم يوماً ويفطر يوماً.
أما صومه المنهي عنه في هذه الأحاديث في قول جابر: (إي ورب الكعبة) فيعني: نهى عن صوم الجمعة ورب الكعبة.
أي: أقسم بذلك، وهو أنه نهى عن صوم يوم الجمعة.
وفي الحديث الثاني أنه رخص فيه إذا ضم إليه يوماً، فإذا صام معه يوماً قبله أو يوماً بعده فإن ذلك يجوز الصيام ويزيل المحذور، وفي بعض الروايات: أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على إحدى أمهات المؤمنين وهي صائمة يوم الجمعة -أو على إحدى بناته- فقال: أصمتِ أمس؟ قالت: لا.
قال: أتصومين غداً -يعني يوم السبت- قالت: لا.
قال: فأفطري، فنهاها عن إفراد يوم الجمعة، فدل على أن النهي يختص بتخصيص يوم الجمعة بدون أن يصوم معه يوماً قبله أو يوماً بعده، فيزول المحذور إذا صام يوم الخميس والجمعة، أو صام يوم الجمعة والسبت.
فهذا وجه النهي، وسببه أن يوم الجمعة عيد الأسبوع، فتخصيصه بالصيام ليس له مزية، والأعياد الأصل أنها أيام إفطار، فعيد الأسبوع هو يوم الجمعة، ولعل النهي -أيضاً- لئلا يعتقد أن له مزية لأنه يوم الأعمال أو يوم الراحة أو نحو ذلك، ومن المعلوم أن عيد الأسبوع للنصارى يوم الأحد، وعيد الأسبوع لليهود يوم السبت، وعيد الأسبوع لهذه الأمة يوم الجمعة، فلأجل ذلك نهي عن إفراده بالصوم.