في هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم شرع لأمته أن يتسحروا في آخر الليل، والسحور: هو الأكلة قبيل الإمساك.
فقال في هذا الحديث: (تسحروا؛ فإن في السحور بركة) ، وقد أمر أمته في عدة من الأحاديث أن يتسحروا ولو بتمرة أو بمذقة لبن أو نحو ذلك حتى يتم الامتثال.
وأما البركة التي في السحور فيقول بعضهم: إن الذي يتسحر يبارك له في عمله، فيوفق بأن يعمل أعمالاً صالحةً كثيرة في ذلك اليوم، بحيث إنه لا يعوقه الصيام عن الصلوات، ولا يعوقه عن الأذكار، ولا عن القراءة ولا عن الأدعية، ولا يعوقه الصيام ولا يقعده عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدعوة إلى دين الله والتعليم لشرع الله تعالى، وأيضاً لا يعوقه الصيام عن عمله وحرفته وكسبه الذي يكتسب به لنفسه ولولده إذا كان صاحب عمل، بخلاف ما إذا أجهده الصيام لقلة أكله ولكونه ما عهد الأكل إلا في أول الليل، فإنه إذا أصبح أصبح مثقلاً وأصبح متعباً، فلا يستطيع مواصلة عمل، ولا يستطيع أن يقوم بعمل دنيوي، ولا يستطيع أن يقوم بعمل ديني من الأعمال الصالحة التي ندب إليها، فلأجل ذلك رغب في أكلة السحور.
وقد ثبت -أيضاً- في الصحيح أنه صلى الله عليه وسلم قال: (فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر) ، وروي أنه صلى الله عليه وسلم ترك السحور لما كان يواصل، فدل على أنه ليس بفرض، بل الأمر في قوله: (تسحروا؛ فإن في السحور بركة) الأمر للإرشاد، ولأجل ذلك علله بالبركة التي هي كثرة الخير، فأفاد أنه ليس بفرض، ولو كان فرضاً ما تركه لما واصل بأصحابه.
والوصال -كما سيأتي- هو ألا يأكل بين اليومين، أن يصل يوماً بيوم، فيأتيه الليل فلا يفطر ولا يأكل فيه حتى يصله باليوم الذي بعده، فيصوم -مثلاً- ستاً وثلاثين ساعة، يومين بينهما ليلة، هذا هو الوصال.
وقيل: أن يصل الليل باليوم فلا يفطر إلا عند السحر؛ لأنه ورد في حديث: (من كان مواصلاً فليواصل إلى السحر) ، ولما واصل يومين أو أياماً دل ذلك على أن السحور ليس بفرض، ولكنه سنة وفضيلة، وعلى كل حال فهو من الأعمال التي رغب فيها النبي صلى الله عليه وسلم.