فأما الحكمة فيها فقد ورد فيها حكمتان: أنها طعمة للمساكين، وأنها طهرة للصائم.
فالصائم قد يعتريه في صيامه شيء من الخلل وشيء من النقص، ويرتكب شيئاً من المحظورات والأقوال السيئة، فيحتاج إلى ما يطهر صيامه، فجعلت هذه الصدقة طهرة للصائم من اللغو والرفث، أي: تطهر صيامه إذا كان قد لغى أو قد رفث أو قد تكلم بسوء، فتمحو ذلك كله.
وأما كونها طعمة للمساكين: فورد في حديث: (أغنوهم عن السؤال في هذا اليوم) ، وذلك أن يوم عيد الفطر يوم يفرح فيه الناس بإتمام صيامهم، ويجعلونه يوم عيد يظهر فيه سرورهم وانبساطهم، ويظهرون فيه الشكر والاعتراف لربهم بالفضل والامتنان، فكان ينبغي اشتراك الصغير والكبير والغني والفقير والمأمور والأمير، في هذا الفرح وهذا الاغتباط، ولما كان في الأمة من هم فقراء معوزون ذوو حاجة غالبة إذا لم يتصدق عليهم فإنهم يظهرون للناس التكفف والاستجداء، ويسألونهم طعاماً وقوتاً وكسوة ونفقة، ومعلوم أن السؤال فيه شيء من الذل ومن الإهانة لأنفسهم، وفيه شيء من الصغار والإذلال، فأمر بأن يعطوا في هذا اليوم ما يكفيهم ذلك اليوم أو أياماً بعده، فيتصدق هؤلاء على هؤلاء حتى يستغنوا، ويخرجها الجميع.
وقال في بعض الروايات: (أما غنيكم فيطهره الله، وأما فقيركم فيرد عليه أكثر مما أعطى) ، ومعلوم أن الفقير أيضاً يخرج الصدقة، فيخرج هذه الزكاة، ولكن يأتيه أكثر مما أعطى؛ لأن الأغنياء لا يجدون مصرفاً إلا هذا الفقير، فإذا كان في البلد مائة بيت، منها -مثلاً- عشرة أبيات فقراء وتسعون أغنياء فإن هؤلاء الأغنياء يعطون هؤلاء الفقراء، والفقراء يعطي بعضهم بعضاً، فيكونون قد أعطوهم أكثر مما أخرجوه، فيجتمع عندهم نفقة زائدة، وإن كانوا كثيراً فكذلك، فلو كان النصف فقراء والنصف أغنياء فإن الفقراء يعطي بعضهم بعضاً، والأغنياء يعطون الفقراء، فيجتمع أنهم أغنوهم.
فهذه هي الحكمة فيها.