والغسل يبدأ من رأسه إلى قدميه، ويدلك بماء وسدر، فيمر يده عليه ويغسله بالماء والسدر إلى أن يصل إلى قدميه، ثم يعود مرة ثانية ويغسل رأسه إلى قدميه، ثم ثالثة من رأسه إلى قدميه يدلكه، ويبدأ بجنبه الأيمن ثم الأيسر، وبفخذيه الأيمن ثم الأيسر، وبساقيه الأيمن ثم الأيسر، وهكذا.
فإذا نقي بالثلاث لم يحتج إلى زيادة.
والسدر ورق السدر المعروف، فإذا قطع ورق السدر ويبس وسحق فإنه ينظف به، وكانوا يستعملونه كما نستعمل الصابون في تنظيف الأواني وفي تنظيف الثياب، ويكون له رغوة إذا خلط بالماء، أو رغوة تكون فوقه، فيأخذ تلك الرغوة ويغسل بها شعر رأسه، ويغسل بها شعر لحيته حتى لا يدخل شيء من حبات السدر بين الشعر، فيغسل الرأس والشعر بالرغوة، وأما حثالة السدر فيغسل بها بقية جسده؛ لأنها تزول إذا صب عليها الماء.
وحيث إن القصد من الغسل بالسدر التنظيف فقد ذهب بعضهم إلى أن السدر تعبدي، وأنه يستعمل في الغسيل ولابد منه، وذهب آخرون إلى أنه للتنظيف، فيقوم مقامه الصابون أو الأشنان، والأشنان معروف، وهو ثمر شجر يشبه الرمث المعروف، ينبت في شجر من البلاد، تؤخذ زهرته وتسحق بعد أن تيبس، ويقوم مقام الصابون في تنظيف الأواني وتنظيف الثياب ونحوها.
فيجوز أن يجعل بدل السدر أشنان أو صابون أو غير ذلك من المنظفات؛ لأن القصد إزالة الوسخ وتنظيف البدن وإزالة ما علق به من درن أو نحوه، وذلك حاصل بالصابون ونحوه.
فالحاصل أنه أمر بغسلها ثلاثاً أو خمساً أو سبعاً بماء سدر.
يقول بعضهم: إن السدر يجعل في إناء، والماء يجعل في إناء، فيؤخذ غرفة من السدر ويدلك بها الجسد، ثم يصب عليها ماءً حتى يزول أثرها -الذي هو حبات السدر- وتنظف، وكذلك إذا جعل الصابون في قدح ثم أخذ منه غرفة وغسل بها، ثم بعد ذلك أتبع هذا الماء حتى يزيل أثرها ولزوجتها.
ثم في هذا الحديث أنه أمر بأن يبدأ بالميامن وبمواضع الوضوء، والمعنى أنه يبدأ بأعضاء الوضوء؛ لأن ذلك يعتبر حدثاً، والمحدث الذي هو عليه حدث أكبر إذا اغتسل بدأ بأعضاء الوضوء ويتوضأ، كما نقل ذلك مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، فكذلك الميت يغسل، يبدأ بمواضع الوضوء منه، ومواضع الوضوء الوجه واليدان والرجلان، أي: أعضاء الوضوء، فيبدأ بالمضمضة، ولكن لا يدخل الماء في فمه لئلا يحرك النجاسة في باطنه، بل ينظف فمه بإصبعه أو نحو ذلك دون أن يدخل الماء في فمه، وكذلك ينظف المغسل منخريه ولا يدخلهما الماء لهذا السبب؛ لأنه قد يحرك النجاسة، فيقتصر على المسح.
ووجهه يغسله كما يغسل بقية بدنه، وذراعاه يغسلهما كذلك، ويمسح برأسه ويغسله، ويغسل بعد ذلك قدميه، وإذا انتهى من أعضاء الوضوء بدأ في التغسيل، فيغسل رأسه، ويبدأ بجانبه الأيمن قبل الأيسر، وذكرنا أنه يغسل برغوة السدر أو بالصابون بعدما يذوب، ثم بعد ذلك يغسل عضده ومنكبه الأيمن ثم الأيسر، وكذلك جنبه الأيمن إلى نصف الصدر ونصف الظهر، ثم يقلبه ويغسل جنبه الأيمن قبل الأيسر، كذلك بعدما يغسل جنبيه إلى حقويه يبدأ فيغسل رجليه، الرجل اليمنى من الفخذ إلى العقب، ثم الرجل اليسرى من الفخذ إلى العقب أو إلى الإبهام، فيغسل الرجل كلها، وهكذا، فهذه تعتبر غسلة، وبعد ذلك يعود مرة ثانية وثالثة إلى أن ينتهي وإلى أن ينظف، فإن لم ينقضِ الوسخ زيد حتى ينقى.
أما الغسلة الأخيرة فيجعل فيها كافوراً كما في الحديث، والكافور هو الذي يباع في أماكن العطورات ونحوها، فهذه القطع البيضاء ونحوها تسحق، ثم تخلط بالماء، ثم تجعل في الغسلة الأخيرة، والحكمة فيه أنه يصلب الأعضاء، فقد يكون الماء الذي غسل به حاراً فتستأكل مفاصله وأعضاؤه، فهذا الكافور يكون صلابة في مفاصله وفي أعصابه، فهذه الحكمة في غسله في الأخيرة بالكافور أو بما يقوم مقامه.
وبعدما يغسل وينظف ينشف بثوب أو نحوه، ثم بعد ذلك يكفن، وقد تقدم أن النبي صلى الله عليه وسلم كفن في ثلاثة أثواب، وذكرنا أنه وضع فوقها بعدما بسط بعضها فوق بعض، ثم يرد الطرف الأعلى طرفاه بعضهما إلى بعض، ثم الأوسط طرفاه بعضهما على بعض، ثم الأسفل طرفاه بعضهما، ثم بعد ذلك يعقد بالعقد التي تمسكه.