تشرع صلاة الخوف بصفاتها تلك إذا كان العدو مقابلهم، أو يخافون أن يفجعهم أو يأتيهم على غرة فيتركون من يحرسهم، أما إذا دخل الوقت وهم في حالة القتال، وفي حالة المسايفة يتقاتلون بالأسلحة اليدوية سواء بالرصاص أو بالسيف أو بالرمح أو بالخناجر أو نحو ذلك، ويخشون أن تفوت الصلاة، فماذا يفعلون؟ قال الله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة:239] يعني: إذا كان الخوف شديداً فإن لكم أن تصلوا كيف كنتم، وأن يصلي كل منكم لنفسه راجلاً -أي: على رجليه- أو راكباً على فرسه، (فرجالاً أو ركباناً) ، فيصلي حتى ولو كان يتحرك بيديه أو برجليه، ولو كان مستقبلاً جهة غير القبلة، يصلي مستقبل القبلة أو غير مستقبلها، ويصلي ولو كان يسير ويسعى في طلب العدو ونحو ذلك، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً صلى وهو يمشي لما كان طالباً لعدو يخشى أن يفوته، فقد أرسل رجلاً من الصحابة ليقتل بعض المشركين من الذين آذوا المسلمين، وذلك المسلم الذي أرسله رأى العدو بعيداً، ودخل عليه وقت الصلاة، فخاف أن تفوته، فصلى وهو يمشي، صلى يومئ إيماءً حتى وصل إليه فقتله.
وكذلك ذكروا -أيضاً- أنه تجوز الصلاة للراكب إذا كان مستعجلاً إذا كان يخشى فوات شيء عليه فيصلي أينما كان وجهه إذا كان هارباً أو طالباً، فالهارب هو الذي هرب من عدو إذا قبضه أتلفه أو أهلكه وقتله، فيجوز أن يصلي ولو بالإيماء ولو لغير القبلة راكباً أو ماشياً، كذلك إذا كان طالباً كما ذكرنا، حتى ذكروا أنه لو خاف أن يفوته الوقوف بعرفة، وهو سائر مواصل للسير جاز أن يصلي على بعيره ولو لغير القبلة، ولو لم يأتِ بأركان الصلاة كاملة حتى يدرك الوقوف بعرفة، وهكذا سائر الأحوال المطلوبة.
وقد ثبت أيضاً أنه صلى الله عليه وسلم صلى على راحلته بأصحابه كإمام لما كانوا مرة مسافرين والسماء تمطر فوقهم والأرض تسيل تحتهم ولا يستطيعون النزول، فصفوا رواحلهم، وصار متقدماً لهم على راحلته، فصلى بهم على رواحلهم يومئون إيماءً، ويجعلون الركوع أقرب من السجود.
كذلك -أيضاً- في هذه الأزمنة يرخص في الصلاة إذا خيف أن تفوت، فيرخص في الصلاة في المراكب الحديثة؛ وذلك لسعتها، ولتمكن المصلي من أن يستقبل القبلة ويستدير نحوها، ففي السيارة قد لا يتمكن من استقبال القبلة إذا كانت المقاعد موجهة أمام الراكب والسير إلى جهة مخالفة لجهة القبلة، كالذي تكون القبلة خلفه أو عند أحد جانبيه، ففي هذه الحال إن استطاع أن يقف ويستقبل القبلة إذا خشي أن يفوته الوقت لكونه هارباً أو طالباً، أو لا يتمكن من النزول، أو لم يقفوا له حتى يصلي جاز أن يصلي ولو على سريره إذا خشي أن يفوت الوقت.
وأما في الطائرة فإن الطائرة قد تستمر ست ساعات أو اثنتي عشرة ساعة في مسيرها ولا تنزل، ففي هذه الحال قد يمر عليه وقتان أو أكثر، ولو لم يصلها لفات الوقت، فله أن يصلي إن وجد متسعاً يصلي فيه صلاة بطمأنينة فإنه يصلي، وإذا لم يجده صلى ولو على كرسيه مستقبلاً أو غير مستقبل؛ لقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن:16] ، وأما القطار فالقطار فيه أماكن متسعة يتمكن المصلي من أن يستدير نحو القبلة، وجهته محددة، فإذا استطاع أن يستقبل القبلة لم تسقط عنه، ويقال كذلك في المراكب البحرية كالبواخر الكبيرة أو الصغيرة إذا كان فيها أماكن متسعة وجهتها محددة، فيستطيع أن يستقبل القبلة وأن يصلي قائماً، إلا أن يكون هناك ما يخشى معه من الوقوف كريح شديدة، أو عواصف، أو أمواج، أو اضطرابات بحرية أو نحو ذلك، فله أن يصلي جالساً، وعلى كل حال فالصلاة إذا خشي فوات وقتها لا يجوز تركها، بل يصليها على حسب حاله.
وهذا بالنسبة إلى الفرائض، وأما النوافل فإنها تصلى على أية حالة، فصلاة النافلة يجوز أن يصليها إذا كان مستعجلاً وهو في سيارته يومئ بها إيماءً، كما يجوز أن يصليها وهو ماش على قدميه، أو راكب على بعير أو على حمار كما كان الصحابة يفعلون كذلك، وبطريق الأولى إذا كان على سيارة أو طيارة -مثلاً- فيجوز أن يصليها، وأمرها أسهل، حتى ولو كانت مؤكدة كصلاة الوتر، وسنة الفجر، وراتبة الظهر التي قبلها والتي بعدها، وراتبة المغرب أو العشاء، وقيام الليل، وصلاة الضحى يجوز أن يصليها وهو يسوق سيارته ولو لغير القبلة يومئ بها إيماءً، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه؛ ليكون قد أتى بما يستطيعه، فإذا تمكن -مثلاً- من أن يستقبل القبلة في حالة الاستفتاح فعل، وإذا لم يتمكن سقط ذلك عنه كله، وذلك لقوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] .