سن في هذه الصلاة سنناً، فمنها: أن يكون الإمام مرتفعاً على المأمومين عندما يخطب، فيخطبهم فوق مكان عالٍ، وهو ما يسمى بالمنبر الذي يلتصق بالمسجد.
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على جذع نخلة مغروسة في قبلة المسجد، يرقى عليها ويخطب، ثم صُنع له هذا المنبر من طرفاء الغابة.
والطرفاء هو: نوع من الأثل، صنعه نجار كان لبعض الصحابيات مملوكاً عندها، فجعله ثلاث درجات، يعني: أنه قطع من متين عروق الأثل ثلاث قطع، كل قطعة جعلها كدرجة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب على الدرجة الثالثة التي هي أرفعها.
وهكذا استمر يخطب على هذا المنبر، وأول ما قام عليه وابتدأ في الخطبة حنَّ عليه ذلك الجذع لِمَا فَقَدَ من ذكر الله، فنزل إليه وضمه حتى هدأ وقال: (لو تركتُه لحنَّ إلى يوم القيامة) ثم رجع وكمَّل خطبته، وبعدما أتم الخطبة وأقيمت الصلاة كبر وهو على الدرجة السفلى من ذلك المنبر، وقرأ وهو عليها، وركع وهو عليها، ثم عند السجود نزل القهقرى -أي: رجع خلفه- حتى نزل في الأرض، ثم سجد السجدتين وبينهما جلسة، ثم قام للركعة الثانية، وصعد على الدرجة الأولى، وصلى الركعة الثانية كالأولى.
والسبب في ذلك أن يكون الإمام ظاهراً حتى يراه المصلون ليقتدوا ويأتموا به، وحتى يسمعوا خطبته وقراءته وتكبيره، حيث لم يكن هناك مكبر، وكان المسجد مكتظاً وممتلئاً، فلأجل ذلك ارتفع فوق أعلى درجة.
هذا هو السبب في كونه صلى بهم وهو على هذه الدرجة من المنبر، وذكر أن السبب أن يأتموا به، ويقتدوا بصلاته، ويسمعوا صوته، وهذا دليل على جواز أن يكون الإمام أرفع من المأمومين شيئاً يسيراً لحاجة تبليغهم ولحاجة سماعهم لقراءته وتكبيراته.