ثم بعد ذلك ذكر التشهد بقوله: (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ، وفي بعض الروايات لم يذكر فيها: (وحده لا شريك له) ، فهاتان الشهادتان هما تأسيس العقيدة، وتأسيس الدين؛ ولأجل ذلك سمي هذا تشهداً؛ لأن فيه هذه اللفظة.
ومعنى (أشهد) كما قال الشيخ محمد: أقر وأعترف أن لا إله في الوجود، أو لا إله يستحق الألوهية إلا الله سبحانه وتعالى.
والإله: هو المألوه، لا إله يعني: لا مألوه، ولا أحد يستحق أن يؤله، أي: تألهه القلوب وتوده وتحبه وتعظمه وتقر له بالعبودية، غير الله تعالى.
وهذه الشهادة تستدعي من العبد أن يتأله الله، أن يتخذه إلهاً، فإنك إذا قلت: أشهد أن لا إله إلا الله فإنه يجب عليك أن تألهه؟! كيف تقر أنه الإله ولا تألهه، عليك أن تألهه وتتألهه بقلبك وبقالبك وبدنك، فترغب إليه، وترهب منه وتحبه وتخافه وترجوه وتتواضع له وتتذلل بين يديه، وتتخذه بذلك إلهاً ومألوهاً ومعبوداً.
أما الشهادة الثانية: فهي أيضاً بمعنى الإقرار والاعتراف، فقوله: (أشهد) يعني: أقر وأعترف بأن محمداً عبده ورسوله، ولا شك أن هذه هي مكملة الشهادة، ولا تكفي واحدة منهما، لا بد من الشهادتين؛ وذلك لأن الشهادة الأولى تستدعي العبادة والطاعة لله، والشهادة الثانية تستدعي المتابعة للنبي صلى الله عليه وسلم والتأسي به، والاقتداء به فيما بلغه، وطاعته فيما جاء به.
وشهادة أن محمداً رسول الله مقتضاها: أن تؤمن بأنه رسول الله، وأن تؤمن بأنه بلغ ما أرسل به، وأن تؤمن بأن على الأمة تصديقه، وأن تؤمن بأنه تجب طاعته، والتحاكم إليه، وامتثال ما أمر به ودعا إليه، وأن تؤمن بأنه بلغ ما أرسل به أتم بلاغ وأتم بيان، وأن تؤمن بأن لا نجاة لأحد إلا باتباعه، وأن الطرق مسدودة إلا من طريقه.
وإذا آمنت بذلك ظهرت عليك آثار ذلك بأن تطبق كل ما جاء به وتمتثله، وتقدم أقواله على كل قول، وترضى بالتحاكم إلى شريعته، هذا هو الرسول، والرسول معلوم أنه الذي يحمل الرسالة من الله، أي: فهو مرسل من الله، وهذه الرسالة هي هذه الشريعة التي جاء بها وبلغها قولاً وفعلاً.
فهذا هو التشهد الأول، يأتي به بعد الركعتين الأوليين في صلاة الظهر، وبعد الركعتين في العصر، وبعد الركعتين في المغرب، وبعد الركعتين في العشاء.