ثم نقل إلينا أن بعضاً من المتمعلمين جعلوا ذلك عذراً لترك صلاة الجماعة، ذكروا أن الحبشي الذي اشتهر قبل سنوات في لبنان، وكان قد تتلمذ عليه أكثر من عشرين ألفاً، أو انخدعوا به، فقال لهم: كلوا البصل حتى تسقط عنكم صلاة الجماعة وصلاة الجمعة فلا تكونوا مطالبين؛ فإنكم منهيون عن إتيان المسجد إذا أكلتموه.
نقول: هذا كذب لا يجوز أن يتخذ عذراً في ترك صلاة الجماعة، والصحابة ماذا فعلوا وماذا فهموا لما أنه أخبرهم بأن الملائكة تتأذى بهذه الرائحة؟ قالوا: (شيء يحرمنا من المسجد لا نريده) ، يعني: لا حاجة لنا في هذا الذي يمنعنا من حضور الصلاة ومن حضور المساجد، فتركوه في الأوقات القصيرة، ولم يأكلوه إلا لحاجة في الأوقات الطويلة التي يذهب معها رائحته، ولم يجعلوه عذراً ولم يقولوا: نأكل البصل ونأكل الكراث ونصلي في البيوت، ما دام أن لنا عذراً؛ لأنهم عرفوا أن صلاة الجماعة واجبة وأن فيها فضلاً، وأنهم مأمورون بحضورها، وأنها تكتب لهم خطواتهم ونحو ذلك، كل ذلك فهموه من النصوص، فلما فهموا هذا من النصوص عرفوا أن ترك المساجد فيه عقوبة، فقالوا: لا حاجة لنا في الشيء الذي يحول بيننا وبين المساجد، فتركوا هذه الأشياء حتى تحصل لهم صلاة الجماعة باطمئنان.
إذاً فالذين يجعلون ذلك عذراً لهم، ويتخذون وسيلة يحتالون بها في ترك صلاة الجماعة، كأكل هذه الأشياء التي فيها رائحة ويقولون: نحن منهيون عن حضور المسجد! نقول: إنكم مخطئون باستعمال هذه الأشياء، قد يضطر الإنسان إلى أكل الثوم أو نحوه لعلاج يكون ضرورة أو لا يندفع ألمه أو مرضه إلا به، والثوم يظهر ريحه على البدن ويطول بقاؤه، فإذا كان مضطراً كان له عذر في أن يصلي وحده ولا يؤذي المصلين ولا الملائكة لضرورته، فإذا لم يكن هناك ضرورة لم يجز له استعماله، إلا إذا تحقق أن هناك ما يزيل رائحته، هذا هو الحكم.